السجون ، والامام صامد صابر ، والرشيد يتحين به الفرص ، ويسد عليه المنافذ والمسالك ، في معاناة رهيبة عبر عنها الامام في رسالة بليغة للرشيد قال فيها :
«انه لن ينقضي عني يوم من البلاء الا انقضي عنك معه يوم من الرخاء ، حتي نفضي جميعا الي يوم ليس له انقضاء يخسر فيه المبطلون» (١).
ولم يكن هذا جزعا من الامام ، ولكنه احتجاج صارخ عن مدي ظلامته ، وتعبير ناطق عما يقاسيه دون جريرة ، الا تلك المنزلة العليا التي ينعم بها في نفوس الأبرار ، والا فالمعروف عن الامام أنه كان يردد في سجنه العبارة الآتية :
«اللهم انك لتعلم أني كنت أسألك أن تفرغني لعبادتك ، اللهم؛ وقد فعلت؛ فلك الحمد» (٢).
ان تعرض الامام موسي بن جعفر (عليهالسلام) للأزمات الخانقة ، ومظاهر الارهاب السياسي ، وحياة السجون المريرة من قبل الرشيد ، كفيل وحده أن يخرج الرشيد من منصب الخلافة المدعاة التي لم يمثل منها جزءا ضئيلا من الشرعية علي الاطلاق ، ولم تكن تصلح له الولاية العامة علي المسلمين بحال من الأحوال ، لأن ما حكم به عبارة عن أحكام عرفية طائشة صححها له فقهاء البلاط العباسي ، وحياة فاجرة داعرة غض عنها الطرف القضاة والمعدلون ، وموائد خمور وملاه وسهر ليال أحياها له المغنون المخنثون ، وكل أولئك مشاهد حمراء أباحها حكم السيف القاطع والجور المستديم ، وكان النظام مفقودا وحياة العيارين والشطار عامرة ، وان ضبطوا السيطرة علي الرقاب بالقسر والاكراه.
__________________
(١) ظ : الخطيب البغدادي / تأريخ البغداد ١٣ / ٣٢ ، ابنالأثير / الكامل ٥ / ١٠٨ ، ابنالصباغ / الفصول المهمة / ٢٢٣ ، المجلسي / البحار ٤٨ / ١٤٨.
(٢) الشيخ المفيد / الارشاد / ٣٣٧.