أي أخي القارىء : هذا هو المجلد الثالث من هذا التفسير وفيه سورتا المائدة والأنعام ، ولعلك ألفت السير في هذا التفسير الذي يحتاج إلى صبر ومعاناة ، خاصة في موضوع السياق والتعرف على آفاق الوحدة القرآنية ، وإنما يهوّن عليك السير أن تعلم أنّ عصرنا عصر فتن ، والنجاة في القرآن ، وهذا مما تضافرت عليه أحاديث عن رسولنا عليه الصلاة والسلام ، وإني لم آل جهدا في أن أقدم لك في هذا التفسير كل ما يحتاجه الفهم الصحيح لكتاب الله في عصر كثرت تعقيداته وأهواء أهله. أخرج أبو داود وأصل الحديث في البخاري ومسلم : قال نصر بن عاصم الليثي : أتينا اليشكري في رهط من بني ليث ، فقال : من القوم؟ فقلنا : بنو الليث ، أتيناك نسألك عن حديث حذيفة ، قال : أقبلنا مع أبي موسي قافلين ، وغلت الدوابّ بالكوفة ، فسألت أبا موسى أنا وصاحب لي ، فأذن لنا ، فقدمنا الكوفة ، فقلت لصاحبي : أنا داخل المسجد ، فإذا قامت السّوق خرجت إليك ، قال : فدخلت المسجد ، فإذا فيه حلقة ، كأنما قطعت رؤوسهم ، يستمعون إلى حديث رجل ، قال : فقمت عليهم ، فجاء رجل ، فقام إلى جنبي ، فقلت : من هذا؟ قال : أبصريّ أنت؟ قلت : نعم ، قال : قد عرفت ، ولو كنت كوفيا ، لم تسأل عن هذا ، قال : فدنوت منه ، فسمعت حذيفة يقول : كان الناس يسألون رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن الخير ، وكنت أسأله عن الشر ، وعرفت أن الخير لن يسبقني ، قلت : يا رسول الله ، هل بعد هذا الشر خير؟ قال : يا حذيفة تعلّم كتاب الله ، واتّبع ما فيه ـ ثلاث مرات ـ قلت : يا رسول الله [هل] بعد هذا الخير شر؟ قال : فتنة وشرّ ، قال : قلت : يا رسول الله [هل] بعد هذا الشّرّ خير؟ قال : يا حذيفة ، تعلّم كتاب الله ، واتبع ما فيه ـ ثلاث مرات ـ قلت : يا رسول الله ، [هل] بعد هذا الشّر خير؟ قال : هدنة على دخن ، وجماعة على أقذاء فيها ، أو فيهم ، قلت : يا رسول الله ، الهدنة على الدّخن ما هي؟ قال : لا ترجع قلوب أقوام على الذي كانت عليه ، قلت : يا رسول الله هلى بعد هذا الخير شر؟ قال : يا حذيفة ، تعلم كتاب الله ، واتبع ما فيه ـ ثلاث مرات ـ قلت : يا رسول الله ، بعد هذا الخير شرّ؟ قال : نعم فتنة عمياء صمّاء ، عليها دعاة على أبواب النار ، فإن متّ يا حذيفة وأنت عاض على جذل شجرة خير لك من أن تتّبع أحدا منهم».
فأنت ترى أيها المسلم أن دواء ما نحن فيه تعلّم كتاب الله واتّباع ما فيه وهاتان روايتان يعضد بعضهما بعضا تؤكدان هذا المضمون :