العبودية للهوى الذاتي ولأهواء العبيد أيضا! ويتذوق من يتعرض لمثل هذا الحرج ، وهو يتحرك لاستنقاذ البشرية من مستنقع الجاهلية ، طعم هذا التوجيه الإلهي للنبي صلىاللهعليهوسلم :
(كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ ، لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ.) ويعلم ـ من طبيعة الواقع ـ من هم المؤمنون الذين لهم الذكرى ، ومن هم غير المؤمنين الذين لهم الإنذار. ويعود هذا القرآن عنده كتابا حيا يتنزل اللحظة في مواجهة واقع يجاهده هو بهذا القرآن جهادا كبيرا ..
والبشرية اليوم فى موقف كهذا الذي كانت فيه يوم جاءها محمد رسول الله صلىاللهعليهوسلم بهذا الكتاب ، مأمورا من ربه أن ينذر به ويذكر ؛ وألا يكون في صدره حرج منه وهو يواجه الجاهلية ، ويستهدف تغييرها من الجذور والأعماق ..
لقد استدار الزمان كهيئته يوم جاءها هذا الدين ، وانتكست البشرية إلى جاهلية كاملة شاملة للأصول والفروع والبواطن والظواهر والسطوح والأعماق».
وقول الله ـ سبحانه ـ لرسوله صلىاللهعليهوسلم : (كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ ..)
يصور حالة واقعية لا يمكن أن يدركها اليوم إلا الذي يعيش في جاهلية وهو يدعو إلى الإسلام ، ويعلم أنه إنما يستهدف أمرا هائلا ثقيلا ، دونه صعاب جسام .. يستهدف إنشاء عقيدة وتصور ، وقيم وموازين ، وأوضاع وأحوال مغايرة تمام مغايرة لما هو كائن في دنيا الناس. ويجد من رواسب الجاهلية في النفوس ، ومن تصورات الجاهلية في العقول ، ومن قيم الجاهلية ، ومن ضغوطها في الأوضاع والأعصاب ، ما يحس معه أن كلمة الحق التي يحملها ، غريبة على البيئة ، ثقيلة على النفوس ، مستنكرة في القلوب ، كلمة ذات تكاليف بقدر ما تعنيه من الانقلاب الكامل لكل ما يعهده الناس في جاهليتهم في التصورات والأفكار ، والقيم والموازين ، والشرائع والقوانين ، والعادات والتقاليد ، والأوضاع والارتباطات .. ومن ثم يجد في صدره هذا الحرج من مواجهة الناس بذلك الحق الثقيل الحرج الذي يدعو الله ـ سبحانه ـ نبيه صلىاللهعليهوسلم ألا يكون في صدره من هذا الكتاب شىء منه ، وأن يمضي به ينذر ويذكر ، ولا يحفل ما تواجهه كلمة الحق من دهشة واستنكار ، ومن مقاومة كذلك وحرب وعناء ..