فوائد :
١ ـ فهمنا من الآية أن الأكل والتمتع في الدنيا والأمل هي كل شىء بالنسبة للكافر ، وأن هذه القضايا الثلاث تشغلهم عن كل شىء ، وإذا تأملنا حال الكافرين ، وحاولنا أن نلخّص أحوالهم لم نجد أبلغ مما وصفهم القرآن به ، وفي ذلك مظهر من مظاهر الإعجاز القرآني ، إذ مثل هذه الإحاطة في النفس البشرية ، وهذا البيان البليغ يخرجان عن طوق البشر ، وفي الآية تنبيه عظيم للمؤمنين على أن إيثار التلذذ والتمتع والانشغال بالآمال الكاذبة وما يؤدي إلى طول الأمل وإلى أن تصبح هذه الأخلاق عميقة الجذور في النفس والقلب ، كل ذلك ليس من أخلاق المؤمن ، كما أنّ أمر الرسول صلىاللهعليهوسلم بتركهم يشير إلى أنّ الواجب في حق هؤلاء ازدراؤهم واحتقار ما هم فيه ، وأي ازدراء أكبر من أن يؤمر المكلّف بالتبليغ أن يترك من هذا شأنه! وفي عصرنا حيث تعتبر قضية الطعام والمتاع ميزان التقدم ، وحيث تقوم الحركات السياسية كلها على تعليق نفس الإنسان بالآمال الدنيوية ندرك أهمية هذا التوجيه في التربية الإسلامية.
٢ ـ رأينا اختلاف العلماء في اللحظة التي يودّ الكافرون فيها لو كانوا مسلمين ولا شك أن ندامتهم تحصل لهم في كل لحظة يتاح لهم أن يراجعوا ما هم فيه ، ومن ثم قصّ الله علينا قولهم (يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا) وقصّ الله علينا قولهم (رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ ...) وهكذا تعددت أقوال العلماء ، لأن كلّا منهم نظر إلى ما قصّه الله علينا من أمنية في مقام فذهب إلى أن الآية تريد هذا المقام ، إلا أن هناك أربعة أحاديث يذكرها ابن كثير تعتبر نصا في الموضوع ، حديثان منها رواهما الطبراني ، وحديث رواه الطبراني وابن أبي حاتم ، وحديث منها رواه ابن أبي حاتم ، والأسانيد مختلفة ومعانيها قريبة من بعضها ، ومن ثم نكتفي بذكر الحديث الرابع الذي أخرجه ابن أبي حاتم ، وهذا هو :
«قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ومنهم ـ أي من المسلمين الذين أدخلوا النار ـ من تأخذه النار إلى ركبتيه ، ومنهم من تأخذه إلى حجزته ، ومنهم من تأخذه النار إلى عنقه ، على قدر ذنوبهم وأعمالهم ، ومنهم من يمكث فيها شهرا ثم يخرج منها ، ومنهم من يمكث فيها سنة ثم يخرج منها ، وأطولهم فيها مكثا بقدر الدنيا منذ خلقت إلى أن تفنى ، فإذا أراد الله أن يخرجهم منها قالت اليهود والنصارى ومن في النار من أهل الأديان ، والأوثان لمن في النار من أهل التوحيد : آمنتم بالله وكتبه ورسله ، فنحن وأنتم اليوم في النار سواء.