فالردّ عليه (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ) أي القرآن (وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) أي من التغيير والتبديل ، قال النسفي : وهو رد لإنكارهم واستهزائهم في قولهم (يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ) ولذلك قال (إِنَّا نَحْنُ) فأكد عليهم أنه هو المنزل على القطع ، وأنه هو الذي نزله محفوظا من الشياطين ، وهو حافظه في كل وقت من الزيادة والنقصان والتحريف والتبديل ، بخلاف الكتب المتقدمة فإنه لم يتولّ حفظها ، وإنما استحفظها الربانيين والأحبار فاختلفوا فيما بينهم بغيا فوقع التحريف ، ولم يكل حفظه القرآن إلى غيره ، وقد جعل قوله (وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) دليلا على أنه منزل من عنده آية. إذ لو كان من قول البشر أو غير آية لتطرّق عليه الزيادة والنقصان كما يتطرق على كل كلام سواه ، أو الضمير في (له) لرسول الله صلىاللهعليهوسلم كقوله (وَاللهُ يَعْصِمُكَ) ا ه. فنسبة الرسول صلىاللهعليهوسلم إلى الجنون مع أن هذا القرآن من عند الله ، والأدلة قائمة على ذلك ـ يدل على أن هؤلاء وصلوا في الطغيان على الله ورسوله حدا لا يصلح معه إلا الترك.
(٣)
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ) رسلا (فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ) أي فرق السابقين ، والشيعة : الفرقة إذا اتفقوا على مذهب وطريقة (وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) وإذن لم يزل دأب الأمم الماضية الاستهزاء بالرسل ، فهؤلاء ماضون على سنن السابقين (كَذلِكَ) أي كما سلكنا الكفر أو الاستهزاء في شيع الأولين (نَسْلُكُهُ) أي الكفر أو الاستهزاء (فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ) من هذه الأمة بسبب تحققهم بصفة الإجرام عقوبة لهم (لا يُؤْمِنُونَ بِهِ) أي بالله أو بالذكر (وَقَدْ خَلَتْ) أي مضت (سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ) أي طريقتهم التي سنّها في إهلاكهم أو في شأنهم ، ومن ثم فهؤلاء الذين هذا شأنهم ، وهذا حالهم ، لا يطمع بإسلامهم ، ومن ثم فذرهم يأكلوا ويتمتعوا ...
(٤)
(وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً مِنَ السَّماءِ) أي ولو أظهرنا لهم أوضح آية وهو فتح باب من السماء (فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ) أي يصعدون (لَقالُوا إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا) أي حيّرت أو حبست من الإبصار ، أو سدّت ، أو أخذت أو شبّه عليها (بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ) فما يحدث لنا ليس حقيقة ، والمعنى : أن هؤلاء المشركين بلغ من غلوهم