مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (١٢) وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (١٣) وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٤) وَأَلْقَىٰ فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٥) وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (١٦) أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لَّا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (١٧) وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ (١٨))
التفسير :
(أَتى أَمْرُ اللهِ) هذا إخبار منه تعالى عن اقتراب الساعة ودنوّها معبّرا بصيغة الماضي الدالّ على التحقيق والوقوع لا محالة ، والمراد بأمره : أمره بقيام الساعة ، والتعبير بالماضي عن المستقبل مستعمل عند العرب ويفيد بلاغيا التحقيق. فقوله تعالى هنا (أَتى أَمْرُ اللهِ) يفيد أن أمره بمنزلة الآتي الواقع لقرب وقوعه (فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ) أي فلا تستعجلوا الله فإن الله لا يعجل لعجلة أحد ، أو فلا تستعجلوا عذاب الله إذا جاء أمره ، والخطاب للكافرين لأنهم هم الذين يستعجلون قرب ما تباعد فإنه آت وكأن قد.
ثم إنه تعالى نزّه نفسه عن إشراكهم به غيره ، وعبادتهم معه ما سواه من الأوثان والأنداد فقال : (سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) تبرّأ جلّ وعزّ عن أن يكون له شريك وعن إشراكهم ، واتصال هذا المعنى باستعجالهم النابع عن استهزائهم وتكذيبهم يدل على أن ذلك من الشرك ، فلو عرفوا الله ووحّدوه لأسلموا له ، ولم يستعجلوا ويستهزؤوا ويكذّبوا ، ومن هنا نفهم أن التوحيد أوسع بكثير مما يظنّه الجاهلون ، كما سنرى (يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ) أي بالوحي أو بالقرآن وهو من الوحي ، وسمي الوحي والقرآن روحا لأنه يقوم في الدين مقام الروح في الجسد ، أو لأنه يحيي القلوب