وهكذا نجد أن السورة بدأت بتبيان أن استعجال العذاب شرك ، ثم بينت أن الرسل بعثوا بالتوحيد ، ثم بدأت تقرر أدلة التوحيد إجمالا وتفصيلا لا من خلال ظاهرة الخلق وظاهرة العناية ، إذ كل شىء مسخّر للإنسان ، فمن الذي فعل هذا كله إلا الله الواحد الأحد.
(وَالْأَنْعامَ) أي الإبل والبقر والغنم والماعز (خَلَقَها) فليس ثم خالق غيره (لَكُمْ فِيها دِفْءٌ) من أصوافها وأوبارها وأشعارها تلبسون وتفترشون وغير ذلك (وَمَنافِعُ) في نسلها ودرّها (وَمِنْها تَأْكُلُونَ) لحما (وَلَكُمْ فِيها) زيادة على ما مرّ (جَمالٌ) فالمتعة في النظر إليها نعمة كذلك (حِينَ تُرِيحُونَ) أي وقت رجوعها من المرعى فإنّها تكون أمدّه خواصر وأعظمه ضروعا وأعلاه أسنمة (وَحِينَ تَسْرَحُونَ) أي غدوة حين تبعثونها إلى المرعى. قال النسفي : (منّ الله تعالى بالتجمل بها ، كما منّ بالانتفاع بها ، لأنه من أغراض أصحاب المواشي ، لأن الرعيان إذا روّحوها بالعشي ، وسرّحوها بالغداة ، تزيّنت بإراحتها وتسريحها الأفنية ، وفرحت أربابها وأكسبتهم الجاه والحرمة عند الناس ، وإنما قدمت الإراحة على التسريح لأن الجمال في الإراحة أظهر إذا أقبلت ملأى البطون حافلة الضروع).
(وَتَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ) أي أحمالكم الثقيلة التي تعجزون عن نقلها وحملها (إِلى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ.)
والمعنى وتحمل الإبل أحمالكم إلى بلد لم تكونوا واصلين إليه لو لم تخلق الإبل إلا بجهد ومشقة ، لأنكم ستضطرون أن تحملوا أثقالكم على ظهوركم في الحج والعمرة والغزو والتجارة ، وما جرى مجرى ذلك ، فخفّف الله عنكم بأن خلقها لكم تستعملونها أنواع الاستعمال من ركوب وتحميل (إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ) حيث رحمكم بخلق هذه ، ويسّر لكم الاستفادة منها ، وكما خلق لكم الأنعام فقد خلق لكم غيرها (وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً) أي خلقها للركوب وللزينة (وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ) للركوب والزينة ، ويدخل في ذلك السيارات والطيارات والقطارات والسفن وغير ذلك.
قال صاحب الظلال عند قوله تعالى : (وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ.) : (يعقّب بها على خلق الأنعام للأكل والحمل والجمال ، وخلق الخيل والبغال والحمير للركوب والزينة.