ثم يعود السياق إلى تعداد النعم الحسيّة (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ) قال ابن كثير : وهو العلو (ماءً لَكُمْ مِنْهُ شَرابٌ) أي جعله عذبا زلالا يسوغ لكم شرابه ، ولم يجعله ملحا أجاجا (وَمِنْهُ شَجَرٌ) أي وأخرج لكم منه شجرا (فِيهِ تُسِيمُونَ) أي ترعون أنعامكم (يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ) أي بالمطر إذ الأنهار والعيون والآبار كل ذلك أصله مطر (الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ) بأن يخرجها من الأرض بهذا الماء (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً) أي دلالة. وحجة على وجوده ووحدانيته (لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) فيستدلون بها عليه وعلى قدرته وحكمته وعنايته وإرادته ، أما الذين لا يتفكرون فهؤلاء وحدهم الذين لا يرون ، فمن تفكّر رأى ، وإن هؤلاء الذين يلحدون مصيبتهم أنهم لا يتفكرون ، ولا يشعرون أنهم لا يتفكرون بل يظنون أنفسهم أنهم مفكرون ، ثمّ عدّد الله نعما عظيمة وجسيمة أخرى على هذا الإنسان : (وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ) للسكن والإبصار وغير ذلك (وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ) كل منهما يؤدي وظيفته في المساعدة على صلاحية الحياة للاستمرار (وَالنُّجُومُ مُسَخَّراتٌ بِأَمْرِهِ) لخدمة هذا الإنسان ، إن الكرة الأرضية جزء من المجموعة الشمسية ، والمجموعة الشمسية جزء من المجرّة ، والمجرّة جزء من هذا الكون الواسع ، فالنجوم تخدم وجود هذا الإنسان على الأرض بأشكال شتى ، ومن ذلك اهتداء الإنسان في ظلمات البر والبحر بها (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ) أي لدلالات واضحات وليس آية واحدة (لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) لقوم عندهم عقل يحكّمونه فيعرفون الظاهرة وما تدّل عليه ، وذكر العقل بعد ذكر الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم للإشارة على أن الدلالة في هذه على القدرة أبهر والشهادة فيها على الكبرياء والعظمة أبين ومن ثمّ فيكفي أن يكون للإنسان عقل حتى يعرف الله بذلك (وَما ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ) أي وما خلق فيها من حيوان وشجر وثمر وسهل وجبل وغير ذلك (مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ) لكل ألوانه الكثيرة التي تثير إحساسات الشعور بالجمال والمتعة والتفكير عند الإنسان (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ) آلاء الله ونعمه فيشكرونها ، ونلاحظ في أكثر من مكان في هذه الآيات أن الله يمنّ على الإنسان بما خلق مما يثير إحساسات المشاعر الجمالية التي هي نعمة من نعمه تعالى ، فأن يخلق كل شىء للإنسان ، وأن يخلق هذا الإنسان بحيث يستفيد من هذا الكون بكل أنواع الاستفادة من الإحساس بجماله إلى غير ذلك ، فهذا كله يدل على الله بشكل قطعي ، وتفصيلات هذا في كتابنا (الله جل جلاله) (وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ)