٢ ـ بمناسبة قوله تعالى : (خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ) ذكر ابن كثير الحديث الذي رواه الإمام أحمد وابن ماجه عن بشر بن جحاش قال : بصق رسول الله صلىاللهعليهوسلم في كفه ثم قال : يقول الله تعالى : ابن آدم : أنّى تعجزني وقد خلقتك من مثل هذه ، حتى إذا سوّيتك فعدلتك مشيت بين برديك وللأرض منك وئيد ، فجمعت ومنعت ، حتى إذا بلغت الحلقوم قلت أتصدق؟ وأنّى أوان الصدقة؟».
٣ ـ تثور مسائل فقهية بمناسبة قوله تعالى (وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ) فقد دلّ النص على جواز ركوب هذه الدواب ومنها البغال فما حكم إنزاء الحمر على الخيل؟ وما حكم أكل لحم الخيل خاصة وقد ذكرت مع نوعين حرّم الله أكل لحومها ، فممن ذهب إلى حرمة أكل لحم الخيل أبو حنيفة وحجته الآية ، بأن الله علّل خلقها للركوب والزينة ، ولم يذكر الأكل بعد ما ذكره في الأنعام ، ومنفعة الأكل أقوى ، والآية سيقت لبيان النعمة ولا يليق بالحكيم أن يذكر في مواضع المنّة أدنى النعمتين ويترك أعلاهما ، وذهب بقية الأئمة إلى جواز ذلك ، وقد تحدث ابن كثير عن الموضوعين اللذين ذكرناهما عند الآية فقال : (هذا صنف آخر مما خلق تبارك وتعالى لعباده ، يمتن به عليهم ، وهو الخيل والبغال والحمير ، التي جعلها للركوب والزينة بها وذلك أكبر المقاصد منها ، ولما فصلها من الأنعام وأفردها بالذكر استدلّ من استدل من العلماء ممّن ذهب إلى تحريم لحوم الخيل بذلك على ما ذهب إليه فيها ، كالإمام أبي حنيفة رحمهالله ، ومن وافقه من الفقهاء ، بأنه تعالى قرنها بالبغال والحمير ، وهي حرام ، كما ثبتت به السنة النبوية ، وذهب إليه أكثر العلماء ، وقد روى الإمام أبو جعفر بن جرير بسنده عن ابن عباس أنه كان يكره لحوم الخيل والبغال والحمير ، وكان يقول : قال الله تعالى : (وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ وَمَنافِعُ وَمِنْها تَأْكُلُونَ) فهذه للأكل (وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها) فهذه للركوب ، وروى الإمام أحمد في مسنده ... عن خالد بن الوليد رضي الله عنه قال : نهى رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن أكل لحوم الخيل والبغال والحمير. وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث صالح بن يحيى بن المقدام ـ وفيه كلام ـ به ، وروى الإمام أيضا ... عن المقدام بن معد يكرب قال : غزونا مع خالد بن الوليد الصائفة فقرم (١) أصحابنا إلى اللحم ، فسألوني رمكة (٢) ، فدفعتها إليهم ، فحبلوها : ـ أي ربطوها بالحبل ـ ليذبحوها وقلت :
__________________
(١) الصائفة : أي في الصيف ، وقرم : أي اشتاقوا.
(٢) الرمة : القدس.