أَفْواهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً)(٢٠٦). ثم مشيت عنده بعد الصبح ، وتقوى عزمي من أجل الآية الكريمة ، وأخذنا في الكلام ، وقلت له : نحن في ديننا ، وجميع الأنبياء ، وجميع الكتب السماوية لم تذكر إلا إلها واحدا ، وأنتم تذكرون ثلاثة ، قال أيضا نقول واحد ، قلت له : هذا الواحد اتفقنا فيه لا خلاف بيننا ، قال : نعم ، قلت : من هما الإثنان اللذان في الألوهية؟ اذكر لي واحدا منهما ، وأنا أعرف ماذا يجوب به ، قال : سيدنا عيسى ، قلت له : الإله يجهل شيئا؟ قال : لا ، قلت : هي صفة العلم في الألوهية المتعلمة بكل ما كان وما يكون ، قال : نعم ، قلت : قال في الإنجيل : إن أربعة أو خمسة من تلامذ سيدنا عيسى عليهالسلام أتوا إليه في جبل الزيتون ، بعد أن ذكر لهم أن هذا العالم يفنى ، قالوا : أعلمنا على وجه السر ، متى يكون انقضاء العالم؟ قال لهم : أما هذه المسألة ، فلا يعلمها أحد ، حتى ملائكة السماء ، لا يعلمها إلا الله وحده ، قلت : هكذا قال ، قال : نعم ، قلت : قد تقدم لنا أن الإله لا يجهل شيئا. وهذا برهان فظيع ، وباين أنه ليس بإله ، وبهذا تبين واتضح أن أحد الاثنين اللذين زدت للواحد ذهب. وذكر الملائكة على وجه المبالغة في العلم ، إنهم أعلام منه. وبقي لنا واحد من الإثنين من هو؟ قال : هو الروح القدس ، قلت : هذا الروح القدس هو الذي ذكر في الإنجيل أنه البارقليط ، قال : نعم هو ذلك ، قلت له : قال سيدنا عيسى : إذا جاء البارقليط فهو يرشدكم إلى جميع الحق ، لأنه ليس ينطق من عنده ، بل يتكلم بكلما يسمع ، ويخبركم بما يأتي ، قلت له : هكذا هو في الإنجيل؟ قال : نعم ، قلت له : الإله لا يتكلم بما يسمع ، بل يتكلم من نفسه ، والذي يتكلم بما يسمع فهو نبي يتكلم بما يسمع من جانب الحق تعالى ، فهذا أيضا ذهب البرهان. لم يبق إلا الواحد الذي لا يزول. فخرس الراهب وقال : الأنبياء المتقدمون قالوا وأخبروا به ـ اعني سيدنا عيسى ـ قلت : لم تقل الأنبياء ذلك.
وإذا قالوا ابن الله ، فقد تبين أن من كان مؤمنا وعمل صالحا كان يسمى بابن الله. وقال أيضا في التوراية : إن الصلحاء هم أبناء الله تعالى. والنص فيما ذكرنا أن
__________________
(٢٠٦) سورة الكهف ، الآية ٥.