فإن قيل : كيف جوزتم نسخ القرآن بأخبار الآحاد؟ ..
فأجابوا : بأن ذلك لا يمتنع من طريق النظر في الأصول ، فإن بقاء الحكم مظنون فيجوز أن ينسخ بمثله ، وشرح ذلك في الأصول.
وقد قيل : إن الإجماع انعقد على تلقي هذا الخبر بالقبول ، ومثل ذلك يجوز أن ينسخ به الكتاب.
وليس في إيجاب الميراث للورثة ما ينافي جواز الوصية لهم ، لإمكان أن يجتمع الحقان للورثة بالطريقين ، وإنما ينسخ الشيء ما ينافيه ، والله تعالى لما جعل الميراث بعد الوصية فمن الذي يمنع من أن يعطي الوارث قسطه من الوصية ، ثم يعطى الميراث بعدها؟.
وقال الشافعي في كتاب الرسالة : يحتمل أن تكون المواريث ناسخة للوصية ، ويحتمل أن تكون ثابتة معها ، ثم قال : فلما روي عن النبي صلّى الله عليه وسلم من طريق مجاهد ـ وهو منقطع ـ أنه قال : «لا وصية لوارث» (١) ، استدللنا بما روي عنه عليه السلام في ذلك أن المواريث ناسخة للوصايا بالوالدين والأقربين مع الخبر المنقطع.
أما قول الشافعي : يحتمل أن تكون المواريث ناسخة ، فوجه الاحتمال أن الوصية إنما كانت واجبة لتعطي كل ذي حق حقه ، من ماله بعد موته ، فكان إثبات الحق للوارث في ماله لمكان القرابة ، ثم كان يميل الموصي بقلبه إلى بعض الورثة ويقصر في حق بعض الورثة ، فعلم الله تعالى ذلك منهم ، فأعطى كل ذي حق حقه ، ولهذا قال النبي عليه السلام :
«إن الله لم يكل قسمة مواريثكم إلى ملك مقرب» الحديث .. إلى أن
__________________
(١) أخرجه أبو داود والترمذي وحسنه ، وجنح الشافعي في الأم الى أن هذا المتن متواتر (فتح الباري ، ج ٦ ، ص ٣٠١).