فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (١٩٣) وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ(١٩٤) وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ
____________________________________
عداوتهم للتوحيد ودين الحق ومحادّتهم لله ورسوله لا يمنعهم عن عداوتهم وقتالهم للمسلمين حرمة للشهر الحرام ولا حرمة البيت الحرام فليس لهم أن يلوذوا بالحرمات بل يحتج عليهم بقصاصهم بذلك واما نفس الحرمات فلم تسقط ولا يقتص منها بجناية المشركين بل عارضتها حرمة الله في نصر توحيده ورسوله ودين الحق واحترام الحرمات. والأشهر الحرم هي رجب الفرد وذو القعدة وذو الحجة ومحرم ولعل الأصل في حرمتها شريعة ابراهيم كحرمة البيت فاستمر العرب على ذلك وأمضاه الإسلام (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ) حدود الحق (فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ) حدود السلم والمجاراة وأفرد الضمير في «عليه» باعتبار لفظ «من» (بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) وناصرهم ١٩٣ (وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا تُلْقُوا) أنفسكم (بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) وهذا النهي عام لكل اقتحام في اسباب التهلكة ومظانها ولا بد من أن يكون النهي مقيدا بما إذا لم يكن في ذلك الاقتحام حياة الدين ونصرته كما في نهضة رسول الله (ص) في أول دعوته واقدام سيد الشهداء في امتناعه عن بيعة يزيد في مثل زمانه (وَأَحْسِنُوا) اعملوا الحسن واطلبوه في أفعالكم وتروككم على حد قوله تعالى في سورة الكهف (إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً) وغير ذلك (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) لأعمالهم وتروكهم وما أعظم هذا التعليم الجامع للخير فإن احسان العمل والترك غير خفي وان غالطت فيه الأهواء بما لا يخفى على العقل من التدليس. ومن مصاديق احسان العمل ما جاءت فيه رواية الكافي. وعن العياشي عن أبي عبد الله (ع) لو ان رجلا أنفق ما في يديه في سبيل الله ما كان احسن ولا وفق أليس يقول الله (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) أي المقتصدين. فإن المقتصد هو الذي عمل الحسن واحسن عمله وان معنى التهلكة. ومقام الإمام (ع) وقوله ما كان احسن وتفسيره المحسنين بالمقتصدين لا يدع مجالا للقول بأن مضمون الرواية قريب من تفسير التهلكة بالإسراف ١٩٤ (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) العمرة منصوبة بالعطف على الحج والحج والعمرة عبادتان معروفتان قد ذكرت اجزاؤهما وشروطهما في السنة