وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (٢٦٤) وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصابَها وابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَها ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌّ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٢٦٥) أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ
____________________________________
مما أنفقوه وكان مما كسبوه وتعبوا في كسبه وجمعه فلا يقدرون لا على شيء من عينه ولا من ثوابه فذهب عليهم بريائهم ونفاقهم هدرا وذلك أشد لحسراتهم (وَاللهُ لا يَهْدِي) ولا يوصل إلى الهدى بتوفيقه (الْقَوْمَ الْكافِرِينَ) فإنهم أخرجوا أنفسهم بنفاقهم عن اهليتهم للتوفيق ٢٦٤ (وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ) أي ولأن يثبتوا أنفسهم على طاعة الله وطلب رضاه. فإن بذل المال عند نوع الناس صعب وان سهلت عليهم العبادات البدنية ويقال ان نوع الأعراب كانوا يستصعبون الزكاة ويعدونها كالاتاوة فالذين يسمحون بأموالهم وينفقونها ابتغاء مرضاة الله يكون لهم من الغايات الحميدة تثبيت أنفسهم على الطاعة وعمل الخير. ودخول «من» الجارة على أنفسهم مع انها مفعول للتثبيت مثله شايع في اللغة كقولهم روض من عريكته وهزمن عطفه ولعل السر في ذلك ان هذا المنفق ينفق من نفس قد روضها وثبتها في الجملة على الطاعة حتى سمحت لله بالمال العزيز عندها فهو يجعل من مقاصده في الإنفاق تثبيتها على طاعة الله وابتغاء مرضاته بالنسبة للمستقبل من الأزمان والحالات وبهذا الاعتبار يكون هؤلاء المنفقون الكرام كأنهم يثبتون من أنفسهم بعضها فمثلهم (كَمَثَلِ جَنَّةٍ) بستان (بِرَبْوَةٍ) ارض مرتفعة لأنها تكون ازكى شجرا واحسن ثمرا وأنقى هواء لسلامتها من وخامة المستنقعات ونز الأرض وإضرار ذلك بالشجر والثمر (أَصابَها وابِلٌ) تقدم تفسيره ومن المعلوم ان سقي المطر للبستان بل كل زرع احسن لتنميتها وجودة تربتها من كل سقي (فَآتَتْ أُكُلَها) اي ثمرها المأكول (ضِعْفَيْنِ) لما تؤتيه إذا سقيت بغيم المطر (فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌ) يكفيها في ذلك لجودة منبتها وان كان مطرا صغير القطر (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ) ومنه انفاقكم بحسب نياتكم (بَصِيرٌ) ثم كرر المثل في الزجر عن ابطال الصدقة بالمن والأذى بقوله تعالى ٢٦٥ (أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ) وكيف يود ومن ذا الذي يود (أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ) ومن حيث بهجة منظرها ودوام سقيها (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ)