وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ
____________________________________
في تأويلهم له بحسب أهوائهم. وصرفه عن مؤدى تنزيله وطلبا لأن يفتنوا الناس بذلك (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ) اي تأويل القرآن كله (إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) لا هؤلاء الذين لم تثبت لهم في العلم قدم (بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ) فلم يسلكوا إلا دحض الجهل بزيغ الأهواء وللناس في هذا المتشابه الذي عنته الآية خلاف كبير وإن خلط بعضهم في محل النزاع فمن الناس من يقف في الآية على لفظ الجلالة ويستأنف قوله تعالى (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) بأن يكون الراسخون مبتدأ وخبره (يَقُولُونَ آمَنَّا) فيخرج الراسخين في العلم عن فضيلة العلم بالتأويل ويحطهم عن رتبة استحقوها ونوّه بها القرآن الكريم في هذا السياق المشرق إذ وصفهم في طرده بالرسوخ في العلم. ومن الناس من قال بعطف «الراسخون» على لفظ الجلالة. وأن الله جلت آلاؤه فتح للراسخين في العلم باب العلم بالتأويل بلطفه ، وكرّمهم بهذه الرتبة بتعليمه. وهذا الخلاف مما لا يكتفى فيه بالمصادرات ، ولا لعل وليت. بل لا بد فيه من إيراد الدلائل الرافعة لتشابه موارد الواو في عطف المفرد او الجملة او الاستئناف. وغاية ما يحتج به للقول الأول هو ما جمع رواياته في الدر المنثور. منها عن ابن عباس قال تأويله يوم القيامة لا يعلمه الا الله. وعنه ايضا في بيان وجوه القرآن وتفسير يعلمه العلماء ، وتفسير تعرفه العرب بلغتها ، وتفسير لا يعلم تأويله الا الله ومن ادعى علمه فهو كاذب. وفي رواية اخرى وتفسير تفسره العلماء ومتشابه لا يعلم تأويله الا الله ومن ادعى علمه سوى الله فهو كاذب ومن طريق طاوس عن ابن عباس ايضا كان يقرأها وما يعلم تأويله الا الله ويقول الراسخون في العلم آمنا. وعن الأعمش قال في قراءة عبد الله وان حقيقة تأويله الا عند الله والراسخون في العلم يقولون آمنا. وذكر في الدر المنثور رواية هذا القول ايضا عن رأي عائشة وأبي الشعثاء وعروة وعمرو بن عبد العزيز ومالك وذكر ايضا أحاديث تحذر من المجادلة في كتاب الله واتباع المتشابه منها ما أخرجه عبد الرزاق وسعيد وعبد بن حميد والجوامع الستة وغيرهم عن عائشة عن رسول الله (ص) انه قرأ الآيات وقال : فإذا رأيتم الذين يجادلون فيه فهم الذين عناهم الله فاحذروهم. وفي لفظ البخاري فإذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه فاحذرهم. وجمع ابن جرير بين العبارتين ـ ويردّ هذا الاحتجاج بعد غض النظر عن الأسانيد وما فيها هو ان يوم القيامة الذي في حديث ابن عباس