(١١) قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللهِ وَأُخْرى كافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ
____________________________________
القمي ان هؤلاء بنو القينقاع من اليهود لما نقضوا بعد وقعة بدر عهدهم مع رسول الله (ص) فغزاهم وخوفهم بما فعل الله بالمشركين فافتخروا برجالهم فانزل الله الآية وغلبوا واخرجوا من ديارهم وأموالهم الى الجلاء صاغرين خاسئين ، وفي الدر المنثور أخرجه ابن إسحاق وابن جرير والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس. وذكر في التبيان قولا بانه اخبار لليهود بان عبدة الأوثان ومنهم قريش سيغلبون وهو على هذه القراءة وهي خلاف المتواتر المتعارف ونقل في الكشاف غير ذلك والأول اقرب الى الصواب ١١ (قَدْ كانَ لَكُمْ) هذه الآية ايضا مما امر الله به رسوله ان يقوله لهم (آيَةٌ) ودلالة وموعظة (فِي فِئَتَيْنِ) فرقتين من الناس (الْتَقَتا) في الحرب (فِئَةٌ) منهما (تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللهِ وَ) فئة (أُخْرى) منهما (كافِرَةٌ) يظهر من القمي انهما فئتا المسلمين والمشركين في وقعة بدر. وهي رواية الدر المنثور وابن جرير عن ابن عباس وذلك هو المناسب لخطاب بني القينقاع (يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ) المعروف أن المسلمين في بدر كانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا. والمشهور في الرواية انّ المشركين كانوا نحو التسعمائة وخمسين. فيكون المعنى ان المسلمين كانوا يرون جمع قريش مثليهم بحسب رؤية العين للجمع وصورة التجند لا بحسب الاحراز للعدد ومعرفة الكمية. أراهم الله إياهم مثليهم لئلا يستقلوهم ويتساهلوا في حربهم استقلالا واستضعافا لهم وأراهم إياهم بدون عددهم في المقدار لئلا تهولهم كثرتهم فيحجموا عن مناجزتهم ويتخاذلوا في لقائهم كما قال الله تعالى في سورة الأنفال (وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً) وقيل في معناها ان المشركين بعد أن اشتبكت الحرب خذلهم الله فصاروا يرون المسلمين مثليهم وان كانوا نحو ثلثهم. والأول بلحاظ الآيتين اظهر وأقرب (وَاللهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ) الأيد القوة والتأييد التقوية وقد أيد الله المسلمين بذلك النصر الباهر (إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً) وموعظة (لِأُولِي الْأَبْصارِ) يجوز أن يكون البصر هنا بمعنى البصيرة كما ذكره اللغويون ، ويجوز أن يراد به حسن العين فإن اراءة الشيء بالإرادة الإلهية على غير العادة آية وعبرة لأولي الأبصار العارفين بعادة البصر. أو أن ذلك النصر بما عليه المسلمون