إِلاَّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللهِ فَإِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (١٩) فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ
____________________________________
معروف في تاريخهم وكتبهم وذهب الكثير من النصارى الى تثليث الآلهة وتأليه المسيح وابطال الشريعة بالرأي حتى استوعبهم ذلك أخيرا (١)(إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ) بالتوحيد والدين الصحيح من دلالة العقل والفطرة والمعجزات الباهرات ، والآيات البينات وصراحة كتبهم. كما بقي شيء من ذلك فيما حرفوه. ولكن حدث الاختلاف فيهم (بَغْياً بَيْنَهُمْ) من الكافرين على الموحدين. او بغيا حاصلا بينهم على الحق وتمردا على ما يعلمون ، واستمر ذلك البغي فيهم حتى جحدوا رسالة رسول الله وقرآنه وما فيه من معارف الحق وشريعته بعد ما دل على ذلك المعجز وكتبهم في البشرى برسول الله وقرآنه (وَمَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللهِ) ويجحد دلالتها البينة (فَإِنَّ اللهَ) محاسبهم ومعاقبهم ومجازيهم على كفرهم يوم القيامة وهو سَرِيعُ الْحِسابِ إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً وَنَراهُ قَرِيباً (٢) كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها)(٣) ١٨ (فَإِنْ حَاجُّوكَ) وجادلوك يا رسول الله في التوحيد وما جئت به. (فَقُلْ) لهم في الحجة الدامغة لهم انكم قد وافقتمونا في بعض أقوالكم وما عندكم من الكتب في توحيد الله في الإلهية والقدس والكمال. كما هو الحق والحقيقة وهل عن ذلك من محيد (فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ)(٤) إني (أَسْلَمْتُ) ووكلت وخليت (وَجْهِيَ لِلَّهِ) لا اصده بضلال الأهواء عن الله وتوحيده ، وطاعته ودين الحق (وَمَنِ اتَّبَعَنِ) على الحق الواضح ايضا أسلم وجهه لله. وجاز عطف الموصول على الضمير المرفوع المتصل في «أسلمت» لوجود للفاصل (وَقُلْ) يا رسول الله بعد هذا النحو من الاحتجاج (لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) من اليهود والنصارى (وَالْأُمِّيِّينَ) أهل أم القرى وهي مكة. أو العرب لأنهم بحسب النوع والغالب لا يقرءون ولا يكتبون بل هم على ما ولدتهم أمهاتهم من الجهل بذلك. فإن هؤلاء الأميين معترفون ايضا بالله وإلهيته وقدسه وكماله (أَأَسْلَمْتُمْ) ودخلتم
__________________
(١) وقد أشرنا إلى شيء من ذلك من صراحة كتبهم في المقدمة الخامسة من كتاب الهدى في الجزء الأول صفحة ١٩ ـ ٣٤
(٢) سورة المعارج ٦
(٣) النازعات ٤٦
(٤) يونس ٣٣