وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (٣٨) قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عاقِرٌ قالَ كَذلِكَ اللهُ يَفْعَلُ ما يَشاءُ (٣٩) قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ
____________________________________
قد كان من أصعب الأمور على النفوس الأمارة بالسوء. فالإخبار بتصديق يحيي لرسالة المسيح مدح كبير له ، وتمجيد له بطيبه وصلاحه وانه لا تأخذه في الحق لومة لائم ، ولا نزعة نفس أمارة (وَسَيِّداً) السيادة الزعامة وولاية الأمر والسيد من يسود غيره (وَحَصُوراً) في رواية القمي المتقدمة الحصور الذي لا يأتي النساء. ونحوه ما في الدر المنثور مما أخرجه عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن عساكر عن ابن عباس. وابن جرير والبيهقي في سننه عن ابن مسعود. وشرعيته ورجحانه ومدحه مختص به إذ لم تعهد شرعيته ورجحانه بنحو نوعي في شريعة إلهية ، واما في شريعة الإسلام فقد تحقق عن الرسول الأكرم (ص) قوله النكاح سنتي فمن رغب عن سنتي فليس مني (وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ) ذكر ذلك تنويها بفضل النبوة فإن كل الأنبياء من الصالحين ٣٨ (قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ) في السن. يقال بلغه الكبر والهرم وأدركه الموت تنزيلا لهما منزلة الطالب الذي لا مفرّ منه (وَامْرَأَتِي عاقِرٌ) لأنها لم تلد مدة عمرها. وقال زكريا ذلك مع انه دعا الله أن يرزقه الذرية والولي الوارث إما طلبا للاطمئنان بالبشرى لأن ذلك على خلاف العادة في التناسل من مثلهما. وإما شكرا واعترافا بنعمته في اجابة دعائه على خلاف العادة الجارية في التناسل بمعنى اني وامرأتي في مثل هذا الحال فمن اين يكون لي غلام لو لا قدرتك ورحمتك وعنايتك الخاصة الخارقة للعادة في إجابة دعائي. ذكر ذلك السيد الرضي «رضي الله عنه» في حقائق التأويل (قالَ كَذلِكَ اللهُ يَفْعَلُ ما يَشاءُ ٣٩ قالَ) زكريا طلبا لزيادة الاطمئنان بحصول ذلك في العاجل ومعرفة وقت الحمل وإن كان مؤمنا بصدق البشرى وقدرة الله (رَبِّ اجْعَلْ لِي) في الدلالة على حصول الحمل واجابة دعائي علامة و (آيَةً) من آياتك الخارقة للعادة (قالَ) الله له (آيَتُكَ) التي تطلبها هي (أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ) ولا تقدر على تكليمهم وإن كان لسانك مطلقا في ذكر الله وتسبيحه والصلاة له (ثَلاثَةَ أَيَّامٍ) بلياليها ولذا جاء في سورة مريم (ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا). ومن الشائع في العربية وغيرها في أمثال هذا المقام دخول الليل في الأيام والنهار في الليالي يقال أقمت في البلد ثلاثة ايام كما يقال أقمت