أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ
____________________________________
الدعوة (أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ) لما كانت دعوى الرسالة تؤيد بالحجة عليها كان ذكر المعجز يجعل الكلام كالصريح بما معناه حال كونه يقول لهم حجتي اني جئتكم. وقد ذكرنا (١) ان الحذف لما يدل عليه الكلام بسياقه باب من أبواب البلاغة عند العرب (بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) المراد نوع الآية وما يكون حجة على الرسالة وإن كان ما جاء به آيات متعددة (أَنِّي) المصدر المنسبك من «ان» وجملتها بدل من آية او خبر لضمير محذوف يعود على آية والتقدير هي اني (أَخْلُقُ) وأصور (لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ) وليس في ذلك آية فإن تصوير الطين مقدور للبشر (فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً) حقيقيا (بِإِذْنِ اللهِ) وخلقه له طبرا والحجة بإظهار الله لهذا المعجز على يد المسيح وفي التبيان ومجمع البيان في التفسير انه صنع من الطين كهيئة الخفاش ونفخ فيه فصار طائرا. ورواه في الدر المنثور مما أخرجه ابن جرير عن ابن جريح وابو الشيخ عن ابن عباس ولا ينهض شيء من ذلك حجة (وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ) وهو الذي يولد أعمى او مطلق الأعمى (وَالْأَبْرَصَ) وهو معروف (وَأُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللهِ) وفعله وإنما نسب الإبراء والاحياء اليه لأنه السبب ببركته ودعائه في ظهور هذا المعجز من الله على يده. وفي جمع الموتى دلالة على تعدد صدور الاحياء من الله بسببه. وفي الصافي في الكافي والعياشي عن أبي عبد الله (ع) وذكر احياء عيسى لصديقه. ورواه ايضا في الدر المنثور والقصة تشبه أن تكون قصة «اليعازر» المذكورة في إنجيل يوحنا (وَأُنَبِّئُكُمْ) من الغيب (بِما تَأْكُلُونَ وَما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ) مما لا يدري به غيركم (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ) كافية في إرشادكم بدلالتها القاطعة الى الإيمان بأني رسول الله (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) بالله وانه بلطفه يرسل رسله لهداية عباده الى الصلاح ودعوتهم الى السعادة. وانه جل شأنه يمتنع على قدسه اظهار المعجز على يد الكاذب. او ان كانت لكم ملكة الإيمان بما تقوم به الحجة وتشهد له الآيات. لا ممن استحوذ عليهم الشيطان وأضلهم
__________________
(١) في تفسير سورة البقرة قبل الآية الثامنة والعشرين