مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدى بِهِ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (٨٨) لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ (٨٩) كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلاًّ لِبَنِي إِسْرائِيلَ إِلاَّ ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ
____________________________________
دخلت الفاء في الخبر لخروج المبتدإ باعتبار صلته مخرج الشرط. وذكر ملأ الأرض ذهبا لأنه غاية ما يعظم في عين الإنسان نوعا من المال والبدل والوسيلة للخلاص فلا ينفعه ذلك لو تصدق به ونحو ذلك لأن اعمال الكافر حابطة لا يستحق بها الجزاء ممن كفر به (وَلَوِ افْتَدى بِهِ) وقدمه بعنوان الفداء وهذا غاية ما يدخل في تصور نوع الإنسان من التهويل والتخويف (وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ)(أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ) على الله. يا ايها المؤمنون ٨٨ (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ) ويكون انفاقكم برا يرضاه الله بأن تنفقوا الشيء الزهيد الذي لا ترضونه بل (حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) وترغبون بماليته فإن قصدكم التقرب الى الله إنما يظهر ببذلكم لوجهه الكريم ما لا تستحقرونه (وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ) لا يخفى عليه شيء منه ولا من نياتكم في إنفاقه وهو مجازيكم عليه ويضاعف لكم الجزاء كما وعدكم بذلك في القرآن الكريم فلا تخشوا أن يفوتكم من انفاقكم وإخلاصكم في النية شيء ٨٩ (كُلُّ الطَّعامِ) أي أصول المطعومات (كانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرائِيلَ إِلَّا ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ) أي يعقوب (عَلى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ) متعلق بحرّم وقيل بتعلقه بقوله تعالى (حِلًّا) ويدفعه لزوم الفصل باجنبي وهو جملة «إلا ما حرّم» المشعرة بتمام ما قبلها فيلزم التعقيد والإيهام. نعم يفهم من قوله تعالى (كانَ حِلًّا) انه من قبل أن تحرمه التوراة بتنزيلها (أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ) على موسى. وللتنبيه على تفسير الآية ثلاث مقدمات ـ الأولى ـ قال علي بن ابراهيم القمي في تفسيره هذا الكلام حكاية عن اليهود ولفظه لفظ الخبر. أي انه كلام اليهود ومن دعاويهم الكاذبة. وهو في الآية في مقام الاستفهام الانكاري وحذفت منه اداة الإنكار لدلالة قوله تعالى (فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ). (فَمَنِ افْتَرى عَلَى اللهِ الْكَذِبَ). كما حذفت اداة الاستفهام لدلالة المقام عليها في قوله تعالى في سورة البقرة ٧٤ (قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ عَهْدَهُ) وقوله تعالى في سورة الشعراء ٢١ (وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ) على الصحيح من تفسير ذلك بإنكار موسى على فرعون ولو كان هذا