فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (١٠٣) وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَتِ اللهِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (١٠٤) تِلْكَ آياتُ اللهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعالَمِينَ (١٠٥) وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (١٠٦) كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ
____________________________________
القول كما في مجمع البيان عدول عن حقيقة اللفظ بلا ضرورة. بل يكون البياض بحقيقته وسنا نوره سيماء تكريم وبشرى للصالحين المقربين ويكون السواد باظلامه وتشويهه وسم خزي ونكال لأولئك البعداء (فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ) في التبيان ومجمع البيان والكشاف وتفسير الرازي ان جواب «اما» محذوف تقديره فيقال لهم أكفرتم. أقول ويقرب عندي أن يكون الجواب من نحو فهم في عذاب أليم ونقمة من غضب الله كما يدل عليه قوله تعالى (فَذُوقُوا الْعَذابَ) ويناسبه قوله تعالى في الآية الاخرى (فَفِي رَحْمَتِ اللهِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) ومن نحو هذا الحذف في القرآن الكريم كثير وفائدته التهويل بالجواب ليقدره السامع بكل نحو يشعر به المقام من الهول. وهو باب واسع في البلاغة قد ذكرنا شيئا من شواهده في الآية الثامنة والعشرين من سورة البقرة. ثم خوطبوا بنحو الالتفات في التوبيخ والتقريع بقوله تعالى (أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذابَ) بسبب ما كنتم تكفرون ١٠٣ (وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَتِ اللهِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) وكفى بذلك في رفعة النعيم وسعادته ١٠٤ (تِلْكَ) أي ما قدمناه من آيات المواعظ والحجج والإرشاد والنعيم والعقاب (آياتُ اللهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِ) الثابت من مضامينها ومنه الوعيد والعقاب فإنه على الحق والعدل واستحقاق المجرم لارتكابه ما أرشده الله الى تركه أو تركه لما أرشده الله الى فعله بأنواع الإرشاد والترغيب والتنفير. فإن الله يريد للإنسان صلاحه وسعادته بالاستقامة والطهارة الاختيارية (وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعالَمِينَ ١٠٥ وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) لأنه إله العالم ومدبره وخالقه وكل ما عداه محتاج اليه في ذاته وأموره فكل أمر من شؤون العالم يرجع اليه. وكرر اسم الجلالة للإيماء الى وجه رجوع الأمور اليه لما في اسمه المقدس من معنى الإلهية والسلطان العام ١٠٦ (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ) الأمة الجماعة ويقال