الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (١٣٤) وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ
____________________________________
ورده بالصبر عن هيجان آثاره من الكلام او الانتقام. وكظم البعير امسك عن الجرة. قيل واصله كظم القربة أي شد رأسها عند ملئها أقول كان المراد كظم مائها عن أن يطفح وكظم البعير ما في كرشه عن ان يخرجه للاجترار (وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ) والعفو اقرب للتقوى. وان كظم الغيظ والعفو عن الناس من محاسن الأخلاق وآثار الفضيلة التي تعين على السلم والهدو وحسن الاجتماع وراحة البشر في الجملة. وصفات هذه الآية من أهم موارد الإحسان (وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) وكفى بذلك فخرا وفوزا ١٣١ (وَالَّذِينَ) قيل انها مجرورة بالعطف على المتقين و «أولئك» في الآية الآتية اشارة إلى الجميع وذكرت المغفرة لأن كل من عدا المعصوم محتاج إليها. وقيل الذين مبتدأ وجملة أولئك خبره والقول الاول انسب ببيان الجزاء للمتقين وبقوله تعالى (فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ) فان الاستغفار وان كان عملا صالحا لكنه يبعد ان يترك التنويه باعمال المتقين ويقتصر في التنويه على استغفار أولئك المستغفرين هذا وإذا قيل ان خصوص ما ذكر من اتفاق فعل الفاحشة وظلم النفس مع ذكر الله واستغفاره وعدم الإصرار لا ينافي كونهم من المتقين قبل ذلك وبعد ذكر الله والاستغفار وإن تضعضعت فيهم ملكة التقوى عند الذنب فعليه تكون كلمة «الذين» معطوفة على «العافين» في طرد صفات المتقين وفيه نوع اشكال والله العالم (إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً) في النهاية الفاحشة كل ما اشتد قبحه من الذنوب والمعاصي وكثيرا ما ترد بمعنى الزنا. وفي المصباح فحش مثل قبح وكل شيء تجاوز الحد فهو فاحش ومنه غبن فاحش. وفي القاموس الفاحشة الزنا وكل ما يشتد قبحه من الذنوب أقول وأظن ان ارادة الزنا من الفاحشة في بعض الموارد إنما هو باعتبار كونه من الافراد الظاهرة في الفحشاء فالأظهر في الآية استعمال الفاحشة في مطلق المعصية الفاحشة في قبحها (أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) بما دون ذلك من الذنوب (ذَكَرُوا اللهَ) قيل ذكروا وعبدوا الله. والأقرب ان يكون المراد انهم بعد ان اغفلهم الشيطان والنفس الأمارة حين الذنب وأنساهم ما يجب له من الطاعة وعدم المخالفة ذكروا الله وماله من الجلال وانه ربهم العظيم ومالك أمرهم ومرجع خوفهم ورجائهم وتنبهوا الى زللهم (فَاسْتَغْفَرُوا) الله (لِذُنُوبِهِمْ) فيكون السر في ذلك تمييزهم عمن