إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١٣٦) إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ
____________________________________
متضمنة للبشرى بالعلو المطلق حتى في المستقبل «ثالثها» ان يراد أنتم الأعلون مطلقا بحسب ما ذكر في الوجه الأول وبحسب علمكم بما وعد الله رسوله وبشراه لكم بعلو أمر الدين وبوار المشركين فيصح عليه كون الجملة حالية. ويكون قوله تعالى (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) قيدا للتصديق بالبشرى أو للبشرى وعلى الوجهين الأولين تكون مبينة ان انتهاءهم عن الوهن والحزن تابع لإيمانهم بالله. ويجوز ايضا على الوجه الأول ان تكون قيدا لإذعانهم وايمانهم بأن ما ذكر فيه من علوهم في أول الحرب وخاتمتها كان من نصر الله لهم. والأظهر هو الوجه الثالث ١٣٦ (إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ) لعل التعبير بالمس لتهوين ما أصابهم ببيان انه مس لا نكاية والقرح بفتح القاف فسره في التبيان ومجمع البيان والكشاف بالجرح وعن مجاهد جراح وقتل. ويجوز ان يكون واحد القروح كناية عما أصابهم وهو الأظهر (فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ) المشركين (قَرْحٌ مِثْلُهُ) قيل ان ذلك اشارة الى ما أصاب المشركين يوم بدر وهو المروي عن الحسن البصري. ولكن الأظهر والمناسب للمقام وأسلوبه وتسليته وتشجيعه ان يراد ما أصاب المشركين يوم احد فقد قتل منهم يومئذ خلق كثير من شجعانهم واهل نجدتهم فقد عدّ في التاريخ عشرة وعشرة وفلانا وفلانا بحيث لا يقل عن شهداء المسلمين بكثير. وأما قوله تعالى في الآية التاسعة والخمسين بعد المائة (قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها) فيمكن ان يراد به القتلى والأسرى من المشركين في يوم بدر ويمكن ان يراد به قتلى المشركين في بدر واحد ولكن هون على المشركين يوم احد انهم أدركوا فيه شيئا من ثار بدر ولم يصدموا بصدمته. وشدد على المسلمين ما لقوه انه على خلاف ما يرجونه من نصر الله لهم ولدين الحق وانهم أذنبوا بفرارهم فنالهم بعض الخذلان ولذلك صارت حربهم بانثيالهم على اطماع الغنائم وفرارهم حربا عادية لم تستمر معها روح النصر الأول فجرت على سنة الحروب المبتنية غلبتها على الاقدام والفرار والكثرة والقلة وما يعرض من الأحوال الحربية والتقدير الإلهي المنوط بالأسباب العادية في عالم التكوين من مداولة الأيام بحسب التقدير لأسبابها. وعلى هذا الوجه قال الله جل اسمه (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ) بمقتضى التقدير على الأسباب. والأيام عطف بيان «لتلك» اي ايام الحرب او ايام الدنيا.