لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَما كانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلكِنَّ اللهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ
____________________________________
كتب التفسير «وعليه» فإن أريد من المنافق هو من يظهر الإسلام ويبطن الكفر من حينه لم يوافق ذلك اصطلاح القرآن الكريم فإنه يجعل المنافقين قسما مقابلا للمؤمنين لا قسما منهم كما في قوله تعالى في هذه السورة ١٦٦ (وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نافَقُوا) وسورة العنكبوت ١٠ (وَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنافِقِينَ) والأحزاب ٧٢ (لِيُعَذِّبَ اللهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ وَيَتُوبَ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) والحديد ١٣ (يَوْمَ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا). «الثالث» وهو الأظهر الأقرب ان يراد بالخبيث هو من تشرف حينئذ بالإيمان ثم يتمرد بكبائر المعاصي والعظائم لأنه كان سلس القياد للهوى والشيطان فيسرع إلى موبقات الآثام والارتداد والانقلاب على الأعقاب والبغي والفساد في الأرض والمروق من الدين فينشأ خبثه عن الامتحان فيكون معنى الآية. ما كان الله وليس من شأنه الكريم وحكمته ولطفه (لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ) مطلقا وهم المتشرفون بصفة الإيمان (عَلى ما أَنْتُمْ) ايها الموجودون حين الخطاب من المؤمنين (عَلَيْهِ) من اشتباه الحال في الظاهر (حَتَّى) تصدر أوامره ونواهيه بلطفه وحكمته بالشريعة وأساسياتها في سعادة البشر وإكمال الدين وإتمام النعمة والنظام الصالح ويجري مقاديره بحسب الحكمة فيما يكون عاقبته الابتلاء والامتحان فتسرع النفوس الأمارة التي لم تروض الى اختيارها خبث التمرد والجماح في الغي. ومن آثار ذلك ان (يَمِيزَ الْخَبِيثَ) باسراعه في اختياره لما أشرنا اليه من موبقات الآثام : يميز بفتح الياء وكسر الميم وسكون الياء مضارع ماز بمعنى فرق وبين (مِنَ الطَّيِّبِ) الدائب على طاعة الله واتباع الحق ومخالفة الهوى. ويؤيد هذا الوجه ما في تفسير البرهان عن العياشي عن عجلان بن صالح عن الصادق (ع) (وَما كانَ اللهُ) ولا يليق بحكمته ولطفه وجلال شأنه (لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ) في شؤون الشريعة وما أشرنا اليه من أساسياتها وموارد الامتحان لأن ذلك مقام كبير لستم أهلا له بل يخل ذلك بجامعتكم وشؤون الإسلام وان الاعلام بهذا الغيب إنما يليق بحسب الحكمة بمقام الرسول والله أعلم حيث يجعل رسالته ممن هو أهل بكماله الاختياري لها (وَلكِنَّ اللهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ) بحسب اهلية الرسول واقتضاء المصلحة وحكمته جلت آلاؤه