فِي أَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (١٨٥) وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ (١٨٦) لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا
____________________________________
على مقتضى المصالح وتعريضهم للسعادة ومقادير على حسب ما اقتضت الحكمة ان يقدر في هذه الدنيا الفانية من الأسباب. ويكون من غايات ذلك ان تظهر في الوجود اعمالهم في الطاعة والكمال أو في المعصية والشقاء (فِي أَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا) أي مشركي العرب (أَذىً كَثِيراً) من شر كلامهم كما يؤثر من كلام بعض اليهود وبعض المشركين وتحريضهم على حرب المسلمين (وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا) وتمسكتم بالطاعة لله ولم تجزعوا جزعا يبلغ الإثم والأظهر ان يراد مطلق التقوى اللازمة كمطلق الصبر فيما يرد عليهم من التكاليف والمقادير وما يسمعونه من الأذى (فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) يقال عزم الأمر بنصب الأمر على المفعولية كقوله تعالى في سورة البقرة ٢٢٧ (عَزَمُوا الطَّلاقَ) و ٢٣٥ و (لا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ) ، والعزم يرجع إلى عقد الضمير والجزم في العمل والظاهر انه في الآية من اضافة المصدر إلى مفعوله وان المراد ان الصبر والتقوى يحتاجان إلى حزم وبصيرة وقوة في الإرادة ورسوخ في الفضيلة وثبات في الكمال تؤدي إلى العزم والجزم والعمل ١٨٥ (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ) ومن ذلك بشراه برسول الله وقرآنه كما أشرنا اليه مرارا (فَنَبَذُوهُ) القوه وطرحوه (وَراءَ ظُهُورِهِمْ) كناية عن انهم اعرضوا عنه وتركوه ولم يعملوا به ولم يبينوه وعملوا به ما هو أشد من الكتمان (وَاشْتَرَوْا بِهِ) واستبدلوا به (ثَمَناً قَلِيلاً) من حطام الدنيا أو نزعات الأهواء (فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ) إياه ذلك الثمن الخسيس ١٨٦ (لا تَحْسَبَنَ) الضلال المضلين (الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا) به (وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا) وهذه الصفة منهم تدل على انهم كانوا يفرحون بما أتوا به مما هو رياء أو تشريع فيزيدون على فساده برذيلة العجب. وروى في الدر المنثور في اسباب النزول ومعنى الآية ما الله أعلم به. والمفعول الثاني ل «تحسين» محذوف للتهويل ولأن يقدره