من سورة الرعد والثانية والثلاثون من سورة ابراهيم ونحوهما. فإن التعبير في ذلك بالإضلال مجاز فائق في الحسن يمثل ببراعته حاجة الإنسان مع نفسه الأمارة إلى لطف الله به وعنايته في توفيقه ويشير الى ما في اللطف والتوفيق من الأثر الشريف الكبير في النعمة على الإنسان وينبه إلى ان خذلان الله للإنسان المتمرد برفع العناية في التوفيق وايكاله إلى نفسه شبيه بإضلاله في قوة الأثر. كل ذلك لأجل التنويه والامتنان بنعمة الله في توفيقه لعباده ولأجل هذه المزايا الفائقة استعير الإضلال لخذلان الله لعبده المتمرد وإيكاله إلى نفسه والعياذ بالله
ولقد كان يكفي في القرينة على التجوز في لفظ الإضلال هنا وصرفه عن مقتضى وضعه ما في القرآن من المحكمات مثل قوله تعالى في سورة الأعراف ٢٧ (إِنَّ اللهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ) وفي سورة النحل ٩٢ (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) فإن تمجد الله بذلك كاف في كونه قرينة على ان الإضلال المنسوب لله تعالى شأنه إنما هو مجاز. وإن مجده والطافه جلت آلاؤه تعين المراد منه وهو ما ذكرناه. وكيف يكون الإضلال المنسوب إلى الله على حقيقته مع أن الله يذم الضالين ويعذبهم على ضلالهم ويوبخهم بقوله تعالى (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ. لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَ. لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ. فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ. فَما لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ. فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ. وَما ذا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا) وتمام الكلام في الكتب الكلامية. وقد ذكر شيء منه في الجزء الثالث من الرحلة المدرسية صفحة ٢٩ إلى ٤٢ : ومن ذلك ان الفرقة الظاهرية لم تلتفت إلى المجاز ووجهه الواضح في قوله تعالى (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) ولم يصرفهم عن المعاني الحقيقة لهذه الألفاظ ضرورة العلم من القرآن والبراهين القطعية في ان الله منزه عن الجسم والأين والمكان لكي يعرفوا ان المراد بالعرش هنا هو شأن القدرة والجلال واستيلاء السلطان على الملكوت في الأزل والأبد. ولأجل إحضار هذا الشأن العظيم في أذهاننا القاصرة وملأ قلوبنا بعظمته مثل القرآن لتصورنا المحدود بتشبيهه بما نعرفه ونعرف آثاره من العرش الجسماني للملك الأرضي الذي بالصعود عليه صعودا زمنيا ينفذ سلطانه وتعم قدرته. ومن آثار الظاهريين العجيبة ما أخرجه ابن مردويه والخطيب في تاريخه وابن منصور في سننه من مسند عمر عن النبي (ص) في قوله تعالى (عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) قال حتى يسمع له اطيط الرحل. وانظر إلى كنز العمال الجزء الأول صفحة ٢٢٦ وكذا منتخب الكنز واطيط