من الله لأنه جلّ شأنه هو المتكلم بالقرآن والمنشئ له فكيف تنسب اليه القراءة والتلاوة : فإن قلت انا في السور المشار إليها نجعل المقدر ما لا ينافي خطابها وفي غيرها نجعل المقدر كلمة اقرأ أو اتلو بصيغة المضارع من قول الناس. قلنا أولا ماذا تصنع بما أوردناه أولا (وثانيا) ما هو الذي تقدره في السور المشار إليها بحيث لا ينافي مقام خطابها وإنشاءه فإنه ينبغي بيانه (وثالثا) يلزم من ذلك ان تفكك بين سياق البسملات التي في القرآن بلا دليل ولا حاجة ملزمة. مع أن الظاهر كونها في جميع السور على سياق واحد متسق كما ان الظاهر ان المقدر في تلك السور وغيرها في حال النزول ووحي الله وفي حال تلاوة الناس وقراءتهم هو واحد. كما ان الظاهر ان التالي يتلو البسملة على ما تعلقت به حال النزول وان ما تعلقت به هو من القرآن المنزل الذي امر الناس بتلاوته وان كان مقدرا.
فالظاهر ان البسملة في جميع السور متعلقة بكلمة «ابدء» للمتكلم من قول الله جل اسمه تنويها بجلال اسمه الكريم وبركاته وتعظيما له لجلال المسمى وعظمته جلّ شأنه وله الأسماء الحسنى كما أمر في القرآن بذكر اسمه وتسبيحه كما في سورة المائدة والحج والمزّمل والدهر والأعلى. فينتظم المقدر في جميع السور وجميع الأحوال بنظام واحد على نسق واحد. ولا يعتري ما استظهرناه غرابة ولا إشكال وكيف يعتريه ذلك وقد نسب الله الابتداء لذاته المقدسة في خلقه كما في قوله جل اسمه (وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ). (كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ) وقد اقسم جل اسمه بمخلوقاته كالشمس والقمر والنفس وغيرها تعظيما لها لأنها مظاهر قدرته وآيات حكمته
خلق القرآن
وان لوحي الله بالسور إلى رسوله بداية ونهاية كما للسور كما قال الله تعالى في سورة الأحقاف في شأن القرآن (وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى) ودع عنك ان القرآن الكريم كلام مؤلف من الحروف والكلمات ولا بد من أن يكون لها ولتأليفها بداية ونهاية ولا بد من ان يكون له علة في إيجاده ووجوده لأنه ليس بواجب الوجود فإن واجب الوجود واحد هو الله. وليست علة وجود الموحى منه إلا خلق الله خالق كل شيء قال الله في سورة الزخرف (إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا) والجعل هو الخلق وكل مجعول ومخلوق له بداية.
(الله) علم لواجب الوجود إله العالمين جلت أسماؤه وعظمت آلاؤه. وتفخم لامه بعد الفتح والضم (الرحمن) لا أظنك تشك في ان معنى الرحمة تتلقاه افهام الناس من لفظه