الكشاف الجزاء واستشهدوا لذلك بقولهم كما تدين تدان وبيت الحماسة المنسوب لشهل بن ربيعة
صفحنا عن بني ذهل |
|
وقلنا القوم اخوان |
عسى الأيام ان ير |
|
جعن قوما كالذي كانوا |
ولما صرح الشر |
|
وأمسى وهو عريان |
ولم يبق سوى العدوا |
|
ن دناهم كما دانوا |
على معنى كما تجازي غيرك إذا أساء فإنك تجازى أيضا إذا أسأت وإنا جازينا بني ذهل على عدوانهم كما جازوا غيرنا فإن ظاهر الشعر ان قوم شهل كانوا قد صفحوا عن بني ذهل ولم يسبق منهم ما يكون به اعتداء بني ذهل عليهم مجازاة ولعل من معنى الدين المذكور في قول الأعشى «هودان الرباب أذكر هو الدين دراكا بغزوة وصيال» ولعل من هذا الباب الديان من اسماء الله له الأسماء الحسنى وديان يوم الدين وقول الأعشى مخاطبا لرسول الله (ص) «يا سيد الناس وديان العرب» والحديث كما ذكره في النهاية كان على ديان هذه الأمة. والأمر في تفسير الدين في الآية سهل فإنه يتراوح بين هذه المعاني وما يقرب منها. ولا غرو إذا تشابهت علينا هاهنا حقيقة معنى الدين بحدودها بواسطة التوسع في الاستعمال. ولا ينبغي أن يخفى أن قوله عزوجل (رَبِّ الْعالَمِينَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ). هو بمنزلة الحجة على ان الحمد له جلت آلاؤه وبمنزلة الحجة على انحصار العبادة والاستعانة به في قوله جلت عظمته (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) وهل يعبد أو يستعان به بما هو رب العالمين غير رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين. وهل يصح في الشعور ان يرغب عن عبادته أولا تغتنم الاستعانة به. وقد كررت كلمة (إياك) لوجهين الأول للتصريح والنص على انحصار كل من العبادة والاستعانة به. ولو قيل إياك نعبد ونستعين لأوهمت صورة اللفظ ان المنحصر هو مجموع الأمرين من العبادة والاستعانة لا كل واحد منهما والثاني لأن الحصر فيهما مختلف فإنه بالنسبة للعبادة حصر لجميع أفرادها وبالنسبة للاستعانة حصر باعتبار بعض افرادها كما سيأتي إن شاء الله. وهذا الأسلوب في الآية الكريمة من قسم الالتفات من الغيبة إلى الخطاب. والالتفات في كلام العرب وشعرهم كثير وهم يعدونه من محاسن الكلام ومزاياه في البلاغة وهو متفاوت في الحسن ولكنه مهما بلغ فإنه لا يكاد ان يبلغ ما بلغه هذا الالتفات من الحسن الباهر والجودة الفائقة وأعلى درجات البلاغة. فإنه يمثل العبد شاخص البصر إلى جلال مولاه ومتوجها إلى حضرته بالاعتراف بأنه لا معبود سواه ولا مستعان إلا هو ومتضرعا بخطاب العبودية والمسكنة ومناجاة الرهبة والرغبة خاضعا لربوبيته مادّا الى رحمته يد الانقطاع في المسألة والاستعانة