ولكنها فوق إدراكه انتهى كلامه ولو انه صارح بجامع كلامه وملاك صحته واستقامته «وهو ما قدمنا من تقيد العبادة بالتعلق بمن يراه العابد إلها» لما عادت جمله فلا متدافعة يشلها الانتقاد وان اعتصم بعد ذلك بصائب قوله «للعبادة صور كثيرة في كل دين شرعت لتذكير الإنسان بذلك الشعور بالسلطان الإلهي الأعلى» فإنه لا يتسق قوله هذا الا أن يعتبر في معنى العبادة كونها ناظرة الى توفية من يتخذه إلها حقه من التعظيم والخضوع واي شعور مذكر فيها لو لا ذلك الاعتبار. وان لم يعتبر ما ذكرناه فلا مفرّ لجملة المتقدمة عن النقد. فإن صور كثير من العبادات لا تبلغ حد النهاية من الخضوع ولا تقاربه كما ذكر في عبادة المتحنثين القانتين بالنسبة لخضوع ذلك العاشق لمعشوقه وخضوع أولئك في تعظيم الملوك والزعماء. وأيضا ان عابد الله يعرف أن منشأ العظمة وملاكها هي السلطة الإلهية ولئن كانت فوق إدراكه فباعتبار عمومها لما لا يعدّ ولا يحدّ من الممكنات لا بما هي سلطة إلهية عظيمة يمكن عرفانها ونيلها بالإدراك من هذه الوجهة. وفي مقام الفرق بين العبادة والعبودية قال ومن هنا قال بعض العلماء أن العبادة لا تكون في اللغة الا لله تعالى «أقول» يريد ان العبادة من حيث ان معناها الحقيقي في اللغة مأخوذ فيه التعلق بالإلهية والإله لا يصح تعلقها إلا بالله الذي لا إله الا هو ولا يريد أنها لم تنسب في اللغة الا لله. وكيف يخفى عليه أنها جاءت في نفس محاورات القرآن منسوبة لغير الله في اكثر من سبعين موردا. فالظاهر أنه لا وقع لاعتراضه عليه بقوله ولكن استعمال القرآن يخالفه. نعم يرد على من قال ان لفظ العباد مأخوذ من العبادة انه غفل عن قوله تعالى في سورة النور ٣٢ (وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ)
حصر الاستعانة بالله جلّ اسمه
قال الله تعالى في سورة المائدة ٣ (تَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى) واما المعاونة في المباحات فهي إحسان أمر الله به أيضا في كتابه بقوله تعالى في سورة النحل ٩٢ (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ) وفي سورة البقرة ٩١ وآل عمران ١٢٨ والمائدة ١٥ (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ). والمعلوم بالضرورة من سيرة النبي (ص) وأصحابه والأئمة والمسلمين انهم يستعينون في غالب أمورهم المباحة بالآلات والدابة والخادم والزوجة والصاحب والرسل والأجراء وغيرهم وفي سورة البقرة ٤٢ و ١٢٨ (اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ) وفي سورة النساء ٦٧ (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً) فقد لامهم الله على