(٦) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ
____________________________________
بالله ورسوله وكتابه. هذا ما يقتضيه سياق القرآن الكريم خصوصا مع ابتداء الإخبار عن الذين كفروا بدون عطف بالواو ٦ (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) يعني قسما خاصا ممن ينتحل الكفر والمعهودين عند الرسول أو هم مطلق الطواغيت الذين يعلم الله انهم من تمردهم يموتون على التمادي على ضلال الشرك والكفر بالله ورسوله وكتابه وما جاءا به في دعوة الحق مع الحجج القيمة والدلالة الواضحة. هؤلاء (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) ولا يختارون الإيمان لأنهم بطغيانهم وانهماكهم بضلال الكفر قد ارتجوا قلوبهم وأسماعهم وأحكموا سدها عن ان يلجها شيء من دعوة الإيمان ودلائل آياتها ولا شيء من نور الحق وشافي البيان فاستحقوا بذلك حرمانهم من توفيق الله وتسديده لهم. وإن توفيقه وتسديده جلت آلاؤه من أقوى ما يعين العبد في اختياره للطاعة والإيمان إذ يرفع عنه من طريقهما ما يعرقله ويزل اقدامه من نزغات الشيطان وهفوات الهوى وطموح النفس الأمارة إلى شهواتها ونزغاتها الردية ومألوفاتها. فكان حرمان المتمردين من التوفيق والتسديد بمنزلة الختم على ما سدوه بسوء اختيارهم وطغيانهم. ولأجل ان ذلك الحرمان من الله لخروجهم عن الأهلية نسب الختم الذي سمي به إلى الله عزوجل لأنّ الله هو الذي بيده أمر التوفيق منحة وحرمانا. وعلى هذا قال جل اسمه ٧ (خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ. وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ) من التمرد حيث استحبوا العمى على الهدى فلا يبصرون أنوار الحق والعرفان مع إشراقها كالشمس راد الضحى (وَلَهُمْ) بما جنوه من التمرد في الكفر والطغيان ومحادة الله ورسوله (عَذابٌ عَظِيمٌ) وغير خفي ان مذهب العدلية من الإمامية والمعتزلة هو انه يمتنع على جلال الله القدوس الكامل الغني أن يمنع الإنسان بالإلجاء عن قبول الإيمان أو يلجئه إلى الكفر أو يكون هو الخالق للكفر فيه فضلا عن ان يلومه ويعاقبه مع ذلك عليه. فإنّ ذلك كله قبيح عقلا كما هو من البديهيات الفطرية. ومن البديهي ان القبيح ممتنع الصدور من الله الغني القدوس. وقد ذكرنا في أخريات شواهد المقام الثاني من الفصل الرابع في المقدمة ان الله عزوجل قد مجد قدسه في القرآن الكريم بالنزاهة عما هو دون ذلك في القبح ووبخ الناس على أعمال السوء. ولكن ابن المنير