(١٨) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ
____________________________________
للتوفيق والتسديد ووكلهم الله الى أنفسهم الأمّارة وأهوائهم الخبيثة. فأسدلا عليهم ظلمات الضلال بسوء اختيارهم. ولأجل ان ينوّه الله بما للتوفيق والتسديد من الأثر الشريف في تأييد العقل على مكافحته لوساوس الشيطان ونزغات النفس الأمارة واهوائها عبر عن حالهم في غيهم على سبيل المجاز واستعارة التشبيه بأنهم حينئذ (ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ) وأشار إلى معنى ذلك بقوله تعالى (وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ) أي خلى الله بينهم وبين أهوائهم وسوء اختيارهم وصاروا يخبطون في ظلمات الضلال لا يبصرون فيها طريق الهدى والرشاد. وقد سلك القرآن الكريم أحسن منهاج البلاغة في بيان مثلهم ونتيجتهم السيئة فذكر مجرى المثل ومغزاه واكتفى بذكر نتيجته بدلالة النتيجة السيئة لحال الذين ضرب المثل في شأنهم فناول السامع تتمة المثل ونتيجة حال المنافقين بأوجز بيان مفهم كما اكتفى بمقدمات المثل عن ذكر المنافقين في استيقادهم لنار الهدى واضاءتها لما حولهم كما ذكرناه وربما تصوره جودة الفهم أحسن مما ذكرناه. ولو بسط القرآن الكلام كما شرحناه للزم التطويل. ولو أهمل ما ذكره لحال المنافقين لما تمثلت من ضرب المثل فائدة لها قيمة بل لو ذكر قبلها نتيجة المستوقد المذكور لأنس الذهن بها ولم يرعه ما ذكر من نتيجة المنافقين السيئة المهولة وذلك خلاف المقصود وحسن البيان.
(ومما ينبغي التنبيه عليه) هو ان بعض التفاسير المعروفة بالفضيلة ذكرت تفسير الآية على غير ما ذكرناه فنشأ من ذلك أمور «أحدها» جرأة غير المسلمين على الاعتراض على القرآن الكريم «ثانيها» التجاؤه إلى ان يجعل «الذي» بمعنى «الذين» وهذا مع وهنه مناف لإفراد الضمير في «استوقد» و «ما حوله» «ثالثها» استشهاده بقوله تعالى في سورة التوبة ٧٠ (وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا) مع ان كلمة «الذي» في الآية للمفرد لا بمعنى الذين «رابعها» عدم ذكر النتيجة السيئة لحال المنافقين وفي ذلك ما فيه. مع ان قوله تعالى (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ) إنما هي من صفات المنافقين لا من تتمة المثل وعلى ما ذكره يستلزم ربطها بالمنافقين طفرة كبيرة وفصلا بالأجنبي الطويل وهؤلاء المنافقون الذين ذهب الله بنورهم على ما ذكرناه هم في ضلالهم ١٨ (صُمٌ) جمع أصم وهو الفاقد لحاسة السمع وقيل هو من ولد كذلك (بُكْمٌ) جمع ابكم قيل هو الأخرس وقيل من ولد كذلك وقيل هو الأخرس مع عيّ وبله (عُمْيٌ)