إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ(٢٣) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ (٢٤) وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ
____________________________________
لأجل المفاخرة في البلاغة والمسابقة في ميادينها فاستعينوا بهم على ذلك من دون الله. فإن الاستعانة بالله على ذلك ودعاءه يجعل الإتيان بالسورة والأكثر ممكنا بواسطة اعانة الله ووحيه كإمكانه لرسول الله (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) في زعمكم ان القرآن يمكن للإنسان بقدرته البشرية أن يأتي به او بمثله او بسورة من مثله. وهؤلاء وإن كان صدقهم في ذلك ممتنعا يناسب ان يقال فيه لو كنتم صادقين لكن قيل (إِنْ كُنْتُمْ) مجاراة لهم وملاينة في الخطاب واما قوله تعالى (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ) مع ان ظاهرهم الجحود لكون القرآن منزلا من الله فيجوز أن يكون لأجل علمه جل شأنه بأن منهم من تأثر قليلا بكثرة الشواهد على الرسالة وإنزال القرآن من الله فيرجع أمره من الجحود الى الشك والريب في ذلك فاحتج الله عليهم بالحجة القاطعة لوساوس الشك وعناد الجحود. او انه جل شأنه احتج على ادنى معارض للإيمان وهو الريب بالحجة الجارية فيه وفي الجحود ٢٤ (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا) ولم تأتوا بسورة من مثله لعجزكم وقصور القدرة البشرية عن ذلك (وَلَنْ تَفْعَلُوا) اخبار لهم بأنهم لا يفعلون ذلك لخروجه عن القدرة البشرية مهما برعوا وتقدموا في الفصاحة والبلاغة ومهما تعاونوا واستعانوا بالبشر (فَاتَّقُوا النَّارَ) أي فإن عجزتم ولم تفعلوا لزمكم ان تعرفوا ان القرآن منزل من الله على رسوله ولزمكم الإيمان بالكتاب وبالرسول وان لم يدعكم الى الإيمان شرف الانسانية والعقل والرغبة في السعادة على نهج إيمان الأحرار فلا أقل من ان يدعوكم الخوف كما في طاعة العبيد فإن من ورائكم النار التي أنذركم بها القرآن (الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ) الوقود بفتح الواو ما توقد به النار فما ظنكم بنار يكون وقودها الناس بلحومهم ودمائهم وفضلاتهم ووقودها مطلق الحجارة فاتقوها بإيمانكم وطاعتكم لله ورسوله (أُعِدَّتْ) وهيئت (لِلْكافِرِينَ) الذين يموتون على الكفر. ثم قرن جل شأنه وعيده للكافرين ببشراه للمؤمنين بقوله جل اسمه ٢٥ (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ) يتنعمون بها ومن كمال بهجتها وروحها وجمال منظرها انها (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) على عادة الجنان ذوات البهجة والرونق من ان الماء لا ينقطع عنها ولا يعلوها فتكون كالمستنقعات