(٢٩) هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
____________________________________
أمهلتك زمانا. ومن تأكيد الاحتجاج المسوق بسياق الامتنان ولله الشكر قوله تعالى ٢٩ (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ) لمنافعكم التي تعرفونها والتي لا تعرفونها ومن منافعكم اعتباركم بخلقتها (ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) من نبات ومياه وحيوان ومعادن فتبصروا واعتبروا والتفتوا إلى ما في الأرض والبحار والنبات والحيوان من مظاهر قدرة الإله وإرادته وحكمته ورحمته (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ) أي جهة العلو. والتعبير بالاستواء مجاز باعتبار توجه إرادته وحكمته الى خلق السماوات في العلوّ بعد أن خلق الأرض وقدّر فيها أقواتها في أربعة أيام (فَسَوَّاهُنَ) وفسر إبهام الضمير بقوله تعالى (سَبْعَ سَماواتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ) مما خلفه (عَلِيمٌ) كما يظهر على المخلوقات دلائل علمه وخلقه بالإرادة على مقتضى حكمته. وذكر جل اسمه من السماوات سبعا باعتبار ما يرونه ويعرفونه في تلك العصور من السيارات السبع وكسف بعضها لبعض وإن كانت السماوات في الهيئة القديمة تسعا لأن فلك الثوابت والأطلس كما يزعمون سماء ان أيضا. وفي الهيئة الجديدة باعتبار المدارات للسيارات اكثر من ذلك (وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)
تنبيه
لا يخفى ان الحذف لما يدل عليه المقام ويرشد وجه الكلام إلى حذفه باب من أبواب البلاغة عند العرب وهو في نثرهم وشعرهم كثير. ولنذكر له شيئا من شعرهم لمناسبة المقام وتوطئة لما يأتي في بلاغة القرآن الكريم من نوع الحذف. قال لبيد بن ربعة العامري
قالت غداة انتجينا عند جارتها |
|
أنت الذي كنت لو لا الشيب والكبر |
فحذف خبر «كنت» اي جميلا ونحو ذلك وغيرك الشيب والكبر. وقال مساور بن هند بن قيس
زعمتم أن إخوتكم قريش |
|
لهم الف وليس لكم إلاف |
أولئك أومنوا خوفا وجوعا |
|
وقد جاعت بنو اسد وخافوا |
فحذف تكذيبهم لدلالة حجته على ذلك. وقال عبد مناف الهذلي في آخر قصيدته
حتى إذا سلكوهم في قتائدة |
|
شلا كما تطرد الجمالة الشردا |
فحذف جواب إذا وعاملها لدلالة المقام وقوله «شلا» وقال الحارث بن حلزة اليشكري في معلقته