(٤٤) أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ (٤٥) وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخاشِعِينَ الَّذِينَ
____________________________________
٤٤ (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ) من الصدق واتباع الحق وطاعة الله (وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ) فإن فيه بقية من وصايا التوراة الحقيقة في الإرشاد والتعليم باتباع الحق والعمل بالعلم (أَفَلا تَعْقِلُونَ) كيف لا يقبح من الإنسان ان يترك عمل البر الذي يعلم به ٤٥ (وَاسْتَعِينُوا) على ما يراد منكم مما فيه سعادتكم في الدين والدنيا وتوصلوا اليه بالأسباب المروضة للنفس والموجهة لكم الى الله في استعانته وطلب توفيقه وتسديده (بِالصَّبْرِ) على الوفاء بعهد الله والإيمان برسوله محمد (ص) وما أنزل اليه وعلى طاعة الله في أوامره ونواهيه وعلى مخالفة النفس الأمّارة وعلى مكافحة الكفر والضلال بنصر الدين ونشر الهدى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعلى نوائب الدنيا بالتسليم لأمر الله. فإن الصبر في الآية الكريمة مطلق وأثره في جميع ما ذكرناه جلي محمود كما يدل عليه ما جاء في الكتاب والسنة في فضل الصبر وفي بعض رواياتنا المعتبرة تفسير الصبر بالصوم وذلك باعتبار كونه احد المصاديق وله الأثر الكبير في ترويض النفس وتمرينها على الصبر وتصفيتها وتوجيهها الى الله (وَالصَّلاةِ) فإن أقوالها وأحوالها تعلّم بكل وجهة من تهذيب الأخلاق. وان الإتيان بها بحقيقتها والتدبر لمضامين آياتها وأذكارها يهدي الى كل خير وهي باب الله في مناجاته والاستعانة به (وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ) على نوع الناس يرونها حملا كبيرا يثقل عليهم فيقوم إليها من يقوم على كسل وتثاقل (إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ) الخشوع فوق الخضوع لا يقبل التصنع فيه نوع من الانكسار يظهر على الإنسان وعلى القلب وعلى البصر وعلى الصوت كما جاء في القرآن الكريم أي إلا على الذين شعارهم الخشوع من خوف الله كأنهم أشرفوا على الموت والمعاد والحساب فخشعوا لذلك واستعدوا للزاد وطلب المغفرة ومناجاة الحق رغبة ورهبة ودعاء وثناء لم يغلبهم طول الأمل ليروا الموت بعيدا فيطمئنوا بالحياة ويسوفوا الأعمال الصالحة والاستعداد للآخرة بل غلبوا الأمل وقرّبوا الموت الى ظنهم كما قال امير المؤمنين لهمام في صفة المتقي يراه قريبا أجله أي يرى آثار ذلك عليه. وحالهم كما قال الحسن (ع) في وصيته لجنادة واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا ٤٦ (الَّذِينَ) نظروا الى الدنيا