مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ (٥١) ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٥٢) وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَالْفُرْقانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (٥٣) وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ
____________________________________
إنما هو التذكير والموعظة ولا يهمه تاريخيتها لكي ينص على الكل أو البعض (مِنْ بَعْدِهِ) من بعد ان غاب عنكم موسى في ميعاد ربه (وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ) لأنفسكم ولعقولكم وللحقايق ٥٢ (ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) أي من بعد ما وقعت عبادة العجل. والسياق في خطاب بني إسرائيل بأحوال بعضهم لا يترك في الآية ظهورا في العفو عمن عبد العجل ويجوز ان يكون حينئذ من لم يعبد العجل ولكنهم تخاذلوا ولم ينصروا هارون بالنهي عن هذا المنكر العظيم فعفا عنهم بتوبتهم كما في الآية الآتية (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) جيئ بلعل عوضا عن لام الغاية للوجه الذي سنذكره ان شاء الله في الآية الحادية والثمانين بعد المائة ٥٣ (وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَالْفُرْقانَ) ترتيب القصة يقضي انها الألواح التي جاء فيها في سورة الأعراف ١٤٢ (وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ) ١٥٣ : (أَخَذَ الْأَلْواحَ وَفِي نُسْخَتِها هُدىً وَرَحْمَةٌ) فتكون بهداها فارقة بين الحق والباطل فسميت فرقانا ويجوز ان يراد بالكتاب والفرقان التوراة (لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) أي لغاية ان تهتدوا وجيء بلعل لما أشرنا اليه ٥٤ (وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ) إلها (فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ) الله الذي خلقكم وبرأكم بعد عدمكم. وما ذكرناه من سياق الآيات في خطاب القبيلة بفعل بعضها لا يترك في الآية ظهورا بأنهم كلهم عبدوا العجل. وإن أردتم التوبة الصادقة التي تمحو ما وقع فيكم من الشرك بالله بعبادة العجل (فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) الجملة بدل من «فتوبوا» لبيان أن الذي تتحقق به توبتكم هو ان تقدموا على قتل بعضكم بعضا فكان ذلك نفس التوبة هنا والظاهر انه ليس المراد ان ينتحروا ويقتل كل انسان نفسه بل قتل النفوس المضافة إليهم بالقرابة والرحم الماسة فقد كانوا عبارة عن آباء وأبناء واخوان وأعمام وبني أعمام وكلهم مرتبطون بولاء القبيلة والقومية والجامعة الاسرائيلية (ذلِكُمْ) اي توبتكم بقتلكم نفوسكم وأقدامكم على ذلك طاعة لله وتكفيرا لما وقع من الشرك وردعا عن مثله (خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ) وفي التعبير بقوله تعالى «بارئكم» في