فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ
____________________________________
والإصلاح في أموالهم : ومن السفه وعدم الرشد تعاطي صرف المال في الملاهي والقمار وشرب الخمر وللزنا ونحو ذلك وقد سمعت من الحديث ان شارب الخمر سفيه (فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ) وخلوا بينهم وبينها كسائر ذوي الأموال. ومدلول الآية ان الولي على أموالهم لا يدفعها إليهم حتى يأنس منهم رشدا مهما طعنوا في السن فمن الغريب حتى في القياس والاستحسان ما عن أبي حنيفة من انها تدفع إليهم بعد الخمس وعشرين سنة من عمرهم وان كانوا سفهاء ـ هذا ولما نهى الله تعالى في الآية الثانية عن بعض الأنحاء من أكل اموال اليتامى اقتضت الحكمة والرحمة ان ينهى عن سائر الأنحاء مما يغوي به الشيطان وتغري به دناءة النفس الأمارة من أكلها بالإسراف او في سورة الحذر من ان يكبر اليتيم فيأخذ ما يجده من أمواله فيسرع المتولي عليها إلى صرفها واتلافها فقال جلت رحمته (وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً) والإسراف معروف ومقتضى الظاهر ان «إسرافا» نائب عن المفعول المطلق (وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا) البدار مصدر بادرته الشيء اي سابقته ومفعوله مصدر ان يكبروا ويكون بدارا مفعولا لأجله اي تأكلونها مسابقة منكم لكبرهم. ولا حاجة إلى تأويل الإسراف والبدار باسم الفاعل لجعلهما حالين كما في مجمع البيان والكشاف (وَمَنْ كانَ غَنِيًّا) بماله لا يضايقه العمل في اموال اليتامى وإصلاحها والنظر في شؤونها ولا يزاحمه في امر معاشه وما يحتاج اليه (فَلْيَسْتَعْفِفْ) اي يطلب صفة العفة ويتخلق بها او فليصر عفيفا مثل استحجر الطين ومن العفة تركه بكرم الأخلاق والشهامة والرحمة وان لم يكن حراما كما ذكره اللغويون ويعرف من موارد الاستعمال وسيأتي ان الأمر فيه للاستحباب او للإرشاد إلى الخلق الحميد (وَمَنْ كانَ فَقِيراً) بحيث يكون عمله في اموال اليتامى ونظره في أمرها مخلا بنظام تعيشه وكسبه لما يحتاج اليه (فَلْيَأْكُلْ) الأمر للاباحة (بِالْمَعْرُوفِ) ولا يعهد هنا معروف يحال عليه ويجعل ميزانا الا اجرة المثل لعمله. وتحرير الكلام في الآية الكريمة هو انه بحسب النظر إلى القواعد الشرعية العامة او الدليل الخاص وهل يجوز لمتولي مال اليتيم ان يأخذ الاجرة على عمله فيه ام لا. ولا يخفى انه عمل محترم وليس في امر الولاية ما يهده حرمته. اما الوصية وقبولها فليس فيهما التباني على العمل مجانا