وذلك أنّ تلك الرّوائح العَفِنَة غَليظةٌ ثَقيلة كثيرة الرُّطوبة فاذا وصلت الى الدِّماغ استرخَى جَوهرُه منها ، وأزالت الرّسوم المنطبعة فيه عنه. وعلامته النّوم الكثير لاسترخاء الأعصاب وتبلُّد الرُّوح عن الانبساط الى الخارج. وعلاجه تَنقية الدِّماغ بالأيارجات والمعاجين والحقن الحادّة التى فيها القُنْطُرْيِون والجاوْشِير وشَحْم الحنظَل والتِّرْبِد مع القليل من البُورق. وقد قيل أنّ أبقراط نَهَى فى هذه العِلّة عن الاستفراغ بالدّواء فالمراد به القَىء فقط.
والاستفراغ فى هذا المرض بل فى سائر الأمراض الدّماغيّة منهىّ عنه لتصعيده الموادّ الى أعلا. والسُّكنجُبين العُنْصُلىّ له نفع عظيم فى هذه العِلّة.
وقد جرَّبنا وَصْفةً جيّدة للحفظ أخلاطُها : صَبِر سُقْطُرِىّ ستّون مثقالا ، وغاريقون أربعة وعُشرون مثقالا ، وعسل بلادَر وأفْتِيْمُون وقُسْط وبزر سَدَاب وفلفل أبيض ، من كلّ واحد ثمانية مَثاقيل ، وسَلِيْجَة ووَجّ وزَراوَنْد وزَعْفَران ودارصِينى ومَصطكى ، من كلّ واحد ستة مثاقيل ، مع عَسَل قَدْر الكِفاية. وأمّا استيلاء البرد واليبس على القسم المؤخَّر من الدّماغ بحيث يجعله كالشَّمع الشّديد الصّلابة فلا ينطبع فيه شىء لأنّ البرد يوجب الصّلابة بقَبْضِه وتكثيفِه وتجميده. واليبس يُعينه على ذلك لانعدام الرُّطوبة المليّنة المرخية. وهذا النّوع أقلّ عروضا من النّوع الأوّل. وعلامته السّهّر الدّائم وجَفاف المنخرين وصُعوبة الكلام السّريع المتتابع لاستيلاء اليبس والجفاف على عَضلات اللّسان وعلى أعصابه فلا يدور ولا ينعطف عند التكلّم كما يجب. وعلاجه التّسخين المعتدل والتّرطيب بالأغذية الجيّدة الحارّة الرّطوبة بمثل لحوم الدّجاج والحملان ، وبتَمْرِيْخ المحلّ بمثل دُهن اللّوز الحلو.
وأمّا فساد الفِكْر فيمنع التّفكر فى شىء البتّة أو يُفْسِد عليه ما يُفَكِّر فيه. وسببُه