فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى (٥١) قالَ عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي فِي كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى (٥٢) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَسَلَكَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتَّى (٥٣) كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعامَكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى (٥٤) مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى (٥٥))
التفسير :
(وَهَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى) أي وقد أتاك حديث موسى ، والكلام عن قصة موسى عليهالسلام يأتي في السياق كنموذج على الرسالة والرسول ، وعلى إنزال الوحي من الله ، وفي قصة موسى تدليل على أن إنزال الله وحيا على أحد من خلقه لا يكون سببا لشقائه ، كما أن في إنزاله الوحي على موسى كانت الحكمة فيه التذكرة لمن يخشى ، أو إقامة الحجة على الإنسان ليخشى ، وهي نفس الحكمة في إنزال هذا القرآن ، والقصة ـ وإن كانت في سياقها القريب ـ تخدم ما ذكرناه ، أي تخدم قضية الإيمان بما أنزل على محمد صلىاللهعليهوسلم ، فهي كذلك في سياقها تخدم موضوع الإيمان بما أنزل على غيره ، وهذان هما محور السورة في البقرة (وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ) وتخدم موضوع التأسيس في تحمل أعباء النبوة والدعوة ، كما تخدم موضوع وحدة رسالات الله ، عدا عن كونها تعطي دروسا كثيرة خالدة في الحياة البشرية ، (إِذْ رَأى ناراً) حين مقفله من مدين ، كما سيقص القرآن قصة ذلك في سورة القصص ، التي هي السورة الأخيرة في هذه المجموعة ، وهذا من مظاهر وحدة هذه المجموعة وتكاملها (فَقالَ لِأَهْلِهِ) أي لزوجته (امْكُثُوا) أي أقيموا في مكانكم (إِنِّي آنَسْتُ ناراً) أي أبصرت ، والإيناس : رؤية شىء يؤنس به (لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ) أي شهاب من النار ، أي نار مقتبسة في رأس عود أو فتيلة (أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً) أي ذوي هدى ، أو قوما يهدونني الطريق ، دل ذلك على وجود البرد والظلام وقتذاك ، وأن موسى عليهالسلام قد تاه عن الطريق ، وفي ذلك إشارة إلى أن الإنسان في أشد حالات