ملاحظة :
نلاحظ أنه لم يأمر الله موسى عليهالسلام بالذهاب إلى فرعون إلا بعد أن أراه من آياته الكبرى ، وما ذلك إلا لأن هذا التكليف شاق ، فقدم الله له بما به يهون كل شىء ، ويصغر كل شىء في عيني موسى ؛ إذ رأى من آثار قدرة الله ما رأى ومن ثم فإننا نلاحظ أن موسى عليهالسلام عند ما كلفه ربه بذلك قال (رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ...) لأنه قريب عهد برؤية الآية ، بينما نلاحظ أنه وأخاه هارون قالا فيما بعد (قالا رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أَوْ أَنْ يَطْغى) وذلك لبعد العهد عن رؤية الآيتين ، وفي ذلك كله تعريف لنا على خصائص النفس البشرية ، وعلى أن الله هو الأعلم بها لأنه خالقها ، ومن ثم فإنه الأقدر على ما يسعدها وما يشقيها وما تحتاجه ، وفي ذلك تعليم لنا أننا إذا أردنا أن نكلف إنسانا تكليفا صعبا أن نقدم له بما يستسهل معه المهمة ، ولنعد إلى السياق :
(قالَ) أي موسى (رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي) أي وسعه ليحتمل الوحي والمشاق وردىء الأخلاق (وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي) أي وسهل علي ما أمرتني به ، من تبليغ الرسالة والقيام بواجباتها (وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي) أي وافتح عقدة من عقد لساني ، لم يطلب زوال العقدة بكمالها ، وإنما طلب ما يعينه على أداء رسالة ربه ، ومن ثم علل لطلبه فقال : (يَفْقَهُوا قَوْلِي) أي عند تبليغ الرسالة (وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي) أي ظهيرا ومعينا وملجأ يساعدني ويعينني ، وأبثه ما بنفسي ، وأن يكون من أهلي ، ثم عينه (هارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي) أي قو به ظهري (وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي) أي اجعله شريكي في النبوة والرسالة ثم علل لطلبة أخا فقال : (كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً) أي نصلي لك ، ونسبحك تسبيحا كثيرا ونذكرك ذكرا كثيرا في الصلوات وخارجها (إِنَّكَ كُنْتَ بِنا بَصِيراً) أي عالما بأحوالنا ، فأجابه الله تعالى إلى ما سأل (قالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى) أي قد أعطيت سؤلك.
ملاحظة :
لما أمر الله موسى عليهالسلام بالذهاب إلى فرعون الطاغية ، وعرف أنه كلف أمرا عظيما دعا بهذه الدعوات التي يحتاجها من يقوم بمثل هذا الشأن ، وقد أجابه الله إليها منة عليه فيها ، ولعلمه احتياجه إليها ، من شرح الصدر ، وتيسير الأمر ، وطلاقة اللسان ،