يَوْمُ الزِّينَةِ) أي يوم عيدكم ، وتفرغكم من أعمالكم (وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ) أي يجمعوا (ضُحًى) أي وقت الضحوة ، واختياره يوم عيدهم ليشاهد الجميع قدرة الله على ما يشاء ، ومعجزات الأنبياء ، وبطلان معارضة السحر لخوارق العادات ، فيكون التبليغ للجميع ، وتقوم الحجة على الجميع ، واختياره وقت الضحى ليكون هناك متسع من الوقت نهارا ، ليشيع ما حدث ، ويتذاكر الناس فيه أطول وقت ممكن بقية يومهم ، فيستقر في قلوبهم ، وليكون أظهر وأجلى وأبين وأوضح وأبعد عن الريبة ، وأكثر كشفا للحق.
قال ابن كثير : (وهكذا شأن الأنبياء كل أمرهم بين واضح ليس فيه خفاء ولا ترويج ، ولذا لم يقل ليلا ، ولكن نهارا ضحى) أقول : وفي ذلك درس للدعاة أن يختاروا الوقت الأنسب للشىء الذي يرغبوا أن يقدموه للناس خدمة لدين الله (فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ) أي شرع معرضا عن موسى في جمع السحرة من مدائن مملكته ، وقد كان السحر فيهم كثيرا (فَجَمَعَ كَيْدَهُ) أي مكره وسحرته (ثُمَّ أَتى) للموعد (قالَ لَهُمْ مُوسى) أي للسحرة (وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللهِ كَذِباً) أي لا تدعوا آياته ومعجزاته سحرا ، أو لا تخيلوا للناس بأعمالكم إيجاد أشياء لا حقائق لها ؛ فتكونوا قد كذبتم على الله (فَيُسْحِتَكُمْ) أي فيهلككم بسبب ذلك (بِعَذابٍ) أي فيهلككم بعقوبة هلاكا لا بقية له (وَقَدْ خابَ) أي خسر (مَنِ افْتَرى) أي من كذب على الله ، وفي قول موسى هذا درس بليغ للدعاة ألا يقصروا في الوعظ في كل حال ، وحتى لأشد أنصار الظالمين ، فهؤلاء السحرة حشدهم فرعون ليجابه موسى ، فوعظهم موسى ، فأفاد هذا الوعظ مرتين ، مرة في خلخلة صفهم ، ومرة بعد ذلك إذ أسلموا جميعا ، فلا يتركن المسلم دعوته في أي ظرف (فَتَنازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ) أي اختلفوا وتشاجروا ، ولا نعرف بالضبط ما هو مضمون النزاع ، وقد قدر بعض المفسرين أن يكونوا اختلفوا في شأن موسى هل هو ساحر مثلهم؟ أو غير ساحر؟ وليس في معرفة ذلك كبير طائل مادام النص قد أبهم مضمون اختلافهم (وَأَسَرُّوا النَّجْوى) أي كان تناجيهم فيما بينهم سرا ، والذي يبدو ـ والله أعلم ـ أنهم تكتموا على خلافهم ، ولم يحاولوا أن يظهروه ، ورددوا فيما بينهم ما أعلنه فرعون من قبل ولذلك (قالُوا إِنْ هذانِ لَساحِرانِ) أي إنه هذان لساحران (يُرِيدانِ أَنْ يُخْرِجاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ) مصر أي يريدان في هذا اليوم أن يغلباكم وقومكم ليستوليا على الناس ، وتتبعهما العامة ، ويقاتلا فرعون وجنوده فينتصرا عليه ويخرجاكم من أرضكم (بِسِحْرِهِما وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ)