كلمة في السياق :
هذا الخطاب لبني إسرائيل فيه درس لأهل الإيمان ألا يطغوا ؛ فإنهم إن طغوا حل بهم ما حل بالطغاة ، ففرعون لم ينزل الله به عقابه إلا لطغيانه واعتدائه على أهل الإيمان ، فإذا أصبح أهل الإيمان طغاة فانهم في هذه الحالة يصبحون كفرعون في استحقاقهم سخط الله وغضبه ، ثم أكمل الله الدرس بأن دل على الطريق في حالة وقوع الطغيان وهو التوبة والإيمان والعمل الصالح والاستقامة.
إن أهل الإيمان إذا أيدهم الله قد يظنون أن لهم شأنا خاصا عند الله يبيح لهم أن يفعلوا ما شاؤوا ، فيخالفوا ويعصوا ، فنبه الله عزوجل على ذلك في هذا السياق ، ففي الآيات تنبيه لأهل الإيمان على منعرج خطر في الطريق.
قد لاحظنا أن مما من الله على بني إسرائيل هو مواعدته إياهم جانب الطور الأيمن ، وها قد وصل السياق إلى قصة هذه المواعدة ، وكيف أن بني إسرائيل فتنوا خلال غيبة موسى عنهم ، وكيف عالج موسى هذه الفتنة ، والسياق ينقلنا مباشرة إلى مخاطبة موسى التي نفهم منها أن موسى قد سبق قومه إلى مكان الموعد (وَما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يا مُوسى) أي وأي شىء عجل بك عن قومك ، أي أي شىء أوجب عجلتك ، والاستفهام للإنكار كما قال النسفي ، دل على أن التقيد الحرفي في الأوامر هو الكمال ، فهذا موسى عجل للقاء الله مجتهدا ، وهو في اجتهاده يتصور أن في ذلك مرضاة الله ، ولا شك أن الشوق كان يدفعه ويحدوه ، ومع ذلك أنكر الله عليه عجلته ، كما دل على أن رعاية شؤون الأمة بالمعاناة معها لإبقائها على أمر الله هو الوضع السليم ، لا الانفراد والسبق ، ولو كان بنية صالحة (قالَ هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي) أي هم خلفي يلحقون بي ، وليس بيني وبينهم إلا مسافة يسيرة ، ثم ذكر موجب العجلة فقال (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِ) أي إلى الموعد الذي وعدت (لِتَرْضى) أي لتزداد عني رضا ولا نلاحظ أن الله عزوجل قد عاقبه على استعجاله ، لأنه كان مجتهدا ، وأقبل بنية صالحة سوى ذلك العتاب الذي بدأه به لما سأله عن سبب استعجاله ، وهو أعلم ، إلا أن السياق يفهمنا الكثير :
وذلك أننا نعلم من سياق القصة في مكان آخر أن موسى ـ عليهالسلام ـ بقي أربعين ليلة ، وأعطاه الله الألواح فيها ، وأعلمه فيها بما أحدث قومه ، إلا أنه هنا قد