والقرآن لا يقرر هنا حقيقة ما حدث ، إنما هو يحكي قول السامري مجرد حكاية ، ونحن نميل إلى اعتبار هذا عذرا من السامري وتملصا من تبعة ما حدث. وأنه هو الذي صنع العجل من الذهب الذي قذفه بنو إسرائيل من زينة المصريين التي أخذوها معهم ، وأنه صنعه بطريقة تجعل الريح تصوت في فراغه فتحدث صوتا كالخوار. ثم قال حكاية أثر الرسول يبرر بها موقفه ، ويرجع الأمر إلى فطنته إلى أثر الرسول).
فائدة وكلمة حول السياق :
فيما فعله السامري وقصه الله علينا درس بليغ جدا ، فقد استغل السامري روح الورع التي رباها موسى ـ عليهالسلام ـ في أتباعه ليوجهها توجيها سيئا ، يخدم أغراضه الكافرة ، وذلك قد يحدث دائما إذا لم يوجد علم ووعي ، فهذا الذي فعله السامري في حياة موسى ـ عليهالسلام ـ فعله عبد الله بن سبأ بعد وفاة رسولنا عليه الصلاة والسلام إذ استغل روح المثالية التي سيطرت على المسلمين ، وروح الورع ، واستغل السوابق التي كانت في عصر أبي بكر وعمر ، وهي سوابق من الورع ، فبدأ يطعن ـ كذبا وزورا ـ في تصرفات عثمان ، مما أدى إلى الفتنة العمياء ، التي لا زلنا نعاني من آثارها ، أخذ بعض المسلمين بحبل الورع الجاهل ليصل بهم إلى الضلال المبين ، وأي ضلال أفظع من قتل عثمان رضي الله عنه ، إلا أن الشىء الذي ينبغي أن نسجله هنا أن الجيل الذي استطاع السامري إضلاله وفتنته هو نفس جيل موسى ـ عليهالسلام ـ أما عبد الله بن سبأ فقد فتن جيلا أصبح الصحابة فيه قلة ، وعلى كل حال فهذا الدرس يعلمنا أنه ما لم يكن كل فرد من المسلمين على غاية من العلم والوعي فإن استعدادهم للفتنة يبقى قائما ، وقد تكون الفتنة باسم الدين نفسه.
وفي كون هذه القصة جاءت في سياق السورة التي محورها (وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ) فإنها درس لأهل الإيمان أن يحذروا كل سامري يريد أن يفتنهم عما أنزل الله على رسوله صلىاللهعليهوسلم.
وبعد ما مر يصل السياق إلى أن يعرض علينا كيف عالج هارون وموسى ـ عليهماالسلام ـ هذا الوضع وكل منهما رسول ، ومن هذه المعالجة ندرك حكمة الله إذ جعل موسى رئيسا على هارون ، وندرك أهمية العزم والحسم في تصرفات القائد الأعلى :
(وَلَقَدْ قالَ لَهُمْ هارُونُ) أي لمن عبدوا العجل (مِنْ قَبْلُ) أي من قبل رجوع