وهذه المجموعة تتكامل مع بعضها بحيث تؤدّي معنى متكاملا ، فهي مع أدائها دورا في التفصيل الكلي للقرآن فإنّ لها دورها المستقل الذي تؤدّيه بحكم أنّها مجموعة متكاملة. وهكذا كل مجموعة من مجموعات الأقسام. وهكذا كل قسم من الأقسام.
فالمجموعة داخل القسم لها دورها المستقل ، والقسم بالنسبة للقرآن له دوره المستقل ، ولكن المجموعة تؤدّي دورها في تكامل القسم ، والقسم يؤدّي دوره في تكامل القرآن ، ومن خلال هذا يظهر تشابه القرآن مع هذا الكون في حيثية من الحيثيات (١). إنّ هذا القرآن يشبه هذا الكون فهذا أثر قدرة الله ، وهذا أثر صفة الكلام لله ، فكما أن في هذا الكون تكاملا وتناسقا فيهما تظهر وحدته ، فكذلك هذا القرآن فيه تكامل وتناسق فيهما تظهر وحدته ، وكما أنّ الوحدة الكونية لا تنفي وحدة المجموعات ، ولا تنفي أن تؤدّي هذه المجموعات دورا مستقلا ضمن الوحدة الكلية ، فكذلك الوحدة الكلية في القرآن لا تنفي وحدة الأقسام ، ووحدة المجموعات التي تؤدّي دورا خاصا ضمن الوحدة الكلية.
وقد شرحنا موضوع التناسق والتكامل في الكون في كتابنا (الله جل جلاله) تحت عنوان ظاهرة الوحدة. فكل جزء في الكون يكمّل الآخر ، ثمّ مرجع الأشياء كلها إلى وحدة كلية ، وضمن هذه الوحدة الكلية تجد آلافا من الوحدات تؤلف فيما بينها كلّا متكاملا ، فكذلك هذا القرآن.
وكما أنك تستطيع من خلال أجزاء هذا الكون أن توجد ملايين المركبات ، أو تفرز الشىء الواحد وتضمّه إلى بعضه فيخرج معك آلاف الأشياء ، فكذلك هذا القرآن ، إذا ركبت بعض مواضيعه إلى بعضها تجد ملايين المواضيع ، وإذا فرزت مواضيعه كلّا على انفراد تجد ملايين المواضيع وهكذا ، فما أحمق الذين يقترحون أن يكون القرآن على غير ما هو عليه ، أو يعترضون على ما هو عليه ، وما أحمق اعتراضهم على أنه لم تكن المواضيع القرآنية الواحدة بجانب بعضها. إنّ استخراج المواضيع ذات الصبغة الواحدة قد ترك للجهد البشري على مدى العصور ؛ لأن المواضيع التي ينبغي أن تدرج بجانب بعضها تختلف باختلاف العصور ، واحتياجات البشر فيها لا تتناهى ، فإذا كان
__________________
(١) لكن الكون مخلوق ، والقرآن كلام الله الأزلي.