٢٥٣ ـ (تِلْكَ الرُّسُلُ) ... إشارة إلى الأنبياء المذكورة قصصهم في السورة (فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ) بمنقبة أو فضيلة تخصه (مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ) كموسى (وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ) أي فضّلهم بارتقاء المراتب كمحمد (ص). (وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ) أي المعجزات الدالة على صدق دعواه بأنه رسول الله. (وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ) مر تفسيره في الآية ٨٧ من هذه السورة (وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ) ولو أراد الله لم يقتتل الناس بعد بعث الرسل والدلائل بأن يلجئهم إلى الإيمان ويمنعهم من الكفر فلم يرد الله ذلك لاستلزامه إبطال فلسفة الثواب والعقاب التي لا تتم إلا مع اختيار للإنسان (وَلكِنِ اخْتَلَفُوا) تنازعوا (فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ) بتوفيق الله وحسن اختياره هو الهدى (وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ) بسوء اختياره (وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلُوا) تأكيد (وَلكِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ) مما تقتضيه المصلحة وتوجبه الحكمة.
٢٥٤ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناكُمْ) ... أي يا من صدّق بمحمد (ص) أنفقوا مما رزقناكم وما فرضناه عليكم من زكاة الأعم من الفرض والنفل (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفاعَةٌ) أي قبل أن يأتي يوم القيامة حيث لا بيع : أي تجارة ولا خلة : أي صداقة ولا شفاعة : إذ لا يملكها يوم القيامة إلا من ارتضى من عباده وهؤلاء لا يشفعون إلا لمن ارتضى سبحانه. (وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ) والكافرون بالله المنكرون لأحكامه هم الظالمون لأنهم عملوا بأنفسهم ما أوجب حرمانهم يوم القيامة من رحمة الله.
٢٥٥ ـ (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) ... هو المستحقّ للعبادة لا غيره ولا تحق الألوهية لسواه لأنه الذات المقدّسة المتصفة بصفات الربوبية. (الْحَيُ) أي الباقي الذي لا سبيل للفناء عليه لأنه الموجد للحياة والفناء. (الْقَيُّومُ) : القائم الدائم بتدبير الخلق وحفظهم في جميع شؤونهم (لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ) نعاس (وَلا نَوْمٌ) أي ما يعرض للمخلوق فيغلب على سمعه وبصره. فالله منزّه عن كل ذلك. (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) أي هو المالك لما فيها والمتصرّف في جميع أمورها والمتكفّل بكل حاجاتها (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ) الاستفهام إنكاري ، أي : لا يشفع يوم القيامة شافع ممّن ترجى شفاعته إلا بأمره. (يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ) أي أنه سبحانه يحيط بماضي الخلق وحاضرهم ومستقبلهم وقيل يعلم أمور الدنيا والآخرة. (وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ) لا يعلمون بشيء من معلوماته كما هو على الحقيقة (إِلَّا بِما شاءَ) أي بما أراد أن يطلعهم عليه فعلمه ذاتي وعلمهم عرض زائل (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) قيل : الكرسي : العلم أي أحاط علمه بهما. وقيل هو القدرة والسلطان أي أحاطت قدرته وسلطانه بهما. (وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما) لا يثقله إمساكهما فهو جلّ وعلا يمسكهما بقدرته الكاملة (وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) المنزّه عن المثل وعن كل ما هو من صفات الممكن أو أن العليّ مأخوذ من العلو بمعنى القدرة والسلطان والعظيم الشأن الكبير القادر في سلطانه.
٢٥٦ ـ (لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ) ... أي ليس في اعتناق الإسلام إكراه من الله ولكن العبد مخير فيه. وقيل : كان هذا قبل أن يؤمر النبي (ص) بقتال أهل الكتاب ثم نسخ بقوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ) ولكن دعوى النسخ باطلة لوجوه لا مجال لذكرها. (قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِ) أي بعد ظهور طريق الحق ووضوحه من الباطل ، وتماميّة الحجة على الناس. فلا إكراه في الدّين ولا جبر عليه ، بل صاروا مخيّرين بالأخذ بأية عقيدة شاؤوا ، ليهلك من هلك عن بيّنة وليحيا من حيي عن بيّنة. (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ) أي يجحده ويتبرّأ منه. والطاغوت هو الشيطان أو ما عبد من دون الله (وَيُؤْمِنْ بِاللهِ) أي يصدّق بالله ورسله. (فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى) أي اعتصم بعصمة متينة (لَا انْفِصامَ لَها) لا تنقطع أبدا ولا تنحلّ. (وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) يسمع الأقوال ويعلم ما في الضمائر.