٢٦٠ ـ (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى) ... انظر يا محمد إلى قصة أخرى لإبراهيم حين سأل ربه أن يريه بالحس كيفية إحيائه الموتى بعد أن كان قد آمن بالعقل بقدرته تعالى على الإحياء بعد الإماتة ولذا فسؤاله (ع) هذا لا يتنافى مع إيمانه العميق بالله وقدرته بلا أدنى شك. (قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ) استفهام تقريري أي : بقدرتي على الإحياء (قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) أي يزداد سكونا واطمئنانا بانضمام العيان إلى البرهان. (قالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ) جمع طائر والطيور قيل هي : طاووس ، وديك ، وحمام ، وغراب. (فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ) أي اضممهن وقيل : قطّعهن أجزاء (ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً) وقيل بأنها كانت عشرة أجبل وقيل أقل. (ثُمَّ ادْعُهُنَ) أي نادهنّ : يا ديك ، يا طاووس ، إلخ ... (يَأْتِينَكَ سَعْياً) يجئن إليك مسرعات ساعيات. (وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) أي غالب ذو إحكام لما يبرمه.
٢٦١ ـ (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ) ... على القول بأن التشبيه راجع إلى النفقات فالمعنى أن مثل ما ينفقون من أموالهم في وجوه البر ومنها الجهاد وأما على القول برجوعه إلى المنفقين فالمعنى : مثل المنفقين لأموالهم في سبيل الله (كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ) أي أن تلك النفقات في البر تتضاعف لسبعمائة ضعف واسناد الإنبات إلى الحبة مع أن المخرج الحقيقي لها هو الله سبحانه هو إسناد لبعض الأسباب كالماء والأرض إلخ. (وَاللهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ) أي يزيد على سبعمائة لمن يشاء بحسب إخلاصه (وَاللهُ واسِعٌ) أي موسع في عطائه (عَلِيمٌ) بذوي الاستحقاق للمضاعفة وبنية كل منهم.
٢٦٢ ـ (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ) ... تفضله سبحانه على المنفقين من أموالهم في سبيله بمضاعفة أموالهم وأجورهم مشروط بشرطين : (ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا) الشرط الأول أن لا يمنّوا على من أعطوه كأن يفخر المعطي بعطائه. والشرط الثاني (وَلا أَذىً) وهو الضرر اليسير. وقيل : هو أن يعبس المعطي في وجه من أنفق عليه أو يسخره في بعض أعماله نتيجة إنفاقه. (لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ) لهم جزاء برهم عند الله (وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) أي يوم القيامة لأنهم يبعثون مطمئنين إلى صدق وعد الله بجزيل الثواب.
٢٦٣ ـ (قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ) ... أي التلطف مع السائل في الكلام. والمغفرة العفو عن إلحاحه. (خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذىً) أي من إنفاق يقارنه الأذى والمن (وَاللهُ غَنِيٌ) عن صدقاتكم بل كل طاعاتكم (حَلِيمٌ) لا يعاجل بالعقوبة.
٢٦٤ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ) : ... أي أن المن والأذى سبب في إبطال الصدقات بمعنى عدم ترتب الأثر عليها عينا كإبطال الرياء لصدقة المرائي الذي يقصد من تصدّقه أن يراه الناس ليمدحوه ، ويقولوا إنه محسن. (وَلا يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) إذ لو كان مؤمنا بذلك لما عمل لغير الله (فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ) أي أن المرائي في إنفاقه كأنه حجر أملس عليه تراب (فَأَصابَهُ وابِلٌ) أي نزل عليه مطر غزير فجرف التراب عنه (فَتَرَكَهُ صَلْداً) حجرا صلبا أملس لا يصلح لزرع ولا إنبات ... فإن المنفقين بهذه الأوصاف (لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا) أي لا يجدون ثواب ما أنفقوا كما لا يجد الإنسان نتيجة بذره على الصخر الصلد ، ولا التراب الذي جرفه الوابل عنه. (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ) أي لا يمنعهم من الهدى ولكنه لا يوفقهم إليه لعدم استعدادهم لتلقي ألطافه.