منصوب على المفعولية. وانفعاله وتقدّمه على فعله لإفادة الحصر ، لأنّ تقديم ما هو حقّه التأخير يفيد الحصر. أي قصروا العبادة والاستعانة عليه. والعبادة أعلى مراتب الخضوع والتذلّل ، لا يستحقها إلّا الله. والاستعانة طلب المعونة في الفعل ، ويراد هنا طلب المعونة في كل المهمّات ، ولذا أيّهم المستعان فيه. وتكرير الضمير : «إيّاك وإيّاك» للتنصيص على التخصيص بالاستعانة. وتقديم العبادة على الاستعانة للتنبيه على أنّ تقديم الوسيلة على طلب الحاجة أدعى إلى الإجابة. وإيثار صيغة المتكلّم مع الغير ليؤذن بحقارة نفسه عن عرض العبادة وطلب المعونة متفردا على باب الكبرياء ، فلا بدّ من انضمامه إلى جماعة تشاركه في العرض والطلب كما يصنع في عرض الهدايا ورفع الحوائج إلى الملوك. ووجه العدول من الغيبة إلى الخطاب : أنّ فيه تطرية وتنشيطا للسامع ليس في غيره.
٦ ـ (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) : بيان للمعونة المطلوبة ، كأنه قال : «كيف أعينكم؟» فقالوا : «اهدنا الصراط المستقيم». والهداية : الدلالة بلطف إلى المطلوب. وقيل هي الموصلة ، وغيرها إراءة الطريق. وعن أمير المؤمنين علي (ع): اهدنا ، أي : ثبّتنا. وأصناف هدايته جلّ وعلا وإن لم يحصرها العدّ على أربعة أوجه : الأول : إفاضته القوى والحواسّ لجلب النفع ودفع الضّرر ، يدل عليه : «أعطى كلّ شيء خلقه ثم هدى». الثاني : نصب الدلائل الفارقة بين الحق والباطل ، يدلّ عليه (وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ). الثالث : إرسال الرّسل وإنزال الكتب : (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ). أي بالإرسال والإنزال. الرابع : إزالة الغواشي البدنية وإراءة الأشياء كما هي بالوحي أو الإلهام أو المنام الصادق أو الاستغراق في ملاحظة جماله وجلاله بحيث تقشعرّ جلودهم من الخشية ثم يرغبون في ذكر ربهم ويعرضون عمّا سواه ، قال تعالى : (تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ، ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللهِ ، ذلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ). وهذا يختص به الأنبياء والأولياء ، ثم الأمثل فالأمثل.
والصراط : هو الجادّة ، والطريق. من سرط الطعام أي ابتلعه. فكأنه يسترط السالبة. وجمعه سرط ككتب. والمراد بالصّراط المستقيم ، ونتيجته التأكيد أو التّنصيص على أن الطريق الذي هو علم في الاستقامة هو طريق المنعم عليهم لأنه جعل كالتفسير له. والمراد بهم : المذكورون في كتابه : (فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ) ... الآية. وقيل أراد بهم المسلمين ، حيث إنّ نعمة الإسلام أصل كلّ النّعم. والإنعام : إيصال النّعمة. ونعمه سبحانه كثيرة بحيث تعذّر حصرها وعدّها (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها). وهي إمّا دنيويّة ظاهرية كإفاضة الوجود والعمر والقوى البدنية أو باطنية. ومن أسماها العقل وسائر القوى. وإما أخروية ، وهي روحانيّ «كغفران الذنوب» وجسماني «كأنهار العسل والشراب الطّهور». (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) : والغضب : ثوران النّفس لإرادة الانتقام تشفّيا. فإن أسند إليه تعالى فباعتبار الغاية كما في الرّحمة ، والعدول عن إسناده إليه تعالى إلى صيغة المجهول وإسناد عديله إليه تعالى ، تأسيس لمباني الرّحمة. فكأنّ الغضب صادر عن غيره تعالى ، وإلّا فالظاهر أن يقول : «غير الّذين غضبت عليهم». (وَلَا الضَّالِّينَ) : من الضّلال وشعبه كثيرة ، يجمعها العدول عن الطريق السّويّ ولو خطأ. والمشهور تفسير «المغضوب عليهم» باليهود و «الضّالّين» بالنصارى.