الضيافة للنزيل) وقد وردت السنة بذلك كما هو ظاهر التنزيل ، وقال النسفي : الضيف للواحد والجماعة .. وجعلهم ضيفا ؛ لأنهم كانوا في صورة الضيف حيث أضافهم إبراهيم عليهالسلام ، أو لأنهم كانوا في حسبانه كذلك. وعند النسفي أن تسميتهم بالمكرمين لأنهم عند الله كذلك ، أو لأن إبراهيم عليهالسلام خدمهم بنفسه ، وأخدمهم امرأته ، وعجل لهم بالقرى. وابتداء الآية بخطاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم تفخيم للحديث ، وتنبيه على أنه ليس من علم رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وإن عرفه بالوحي ، ذكره النسفي. وذكر النسفي صلة قصة إبراهيم عليهالسلام بما قبلها فقال : (وانتظامها بما قبلها باعتبار أنه عزوجل قال : (وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ) وقال في آخر هذه القصة : (وَتَرَكْنا فِيها آيَةً)). ا ه.
ثم حدثنا الله عزوجل عما جرى بين إبراهيم عليهالسلام وضيوفه فقال : (إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ) أي : على إبراهيم عليهالسلام (فَقالُوا سَلاماً) أي : نسلم عليك سلاما (قالَ سَلامٌ) أي : عليكم سلام ، وفي هذا المقام يذكر المفسرون قضية مرتبطة بالنحو حول أيهما أقوى ، سلام الملائكة أو سلام إبراهيم؟ فيقولون : إن رد إبراهيم عليهالسلام كان بصيغة الرفع ، بينما سلامهم كان بصيغة النصب ، فرد إبراهيم أبلغ في التحية. قال النسفي : والعدول إلى الرفع للدلالة على إثبات السلام ، كأنه قصد أن يحييهم بأحسن مما حيوه به ، أخذا بأدب الله ، وهذا أيضا من إكرامه لهم ، وقال ابن كثير : الرفع أقوى وأثبت من النصب ، فرده أفضل من التسليم ... فالخليل اختار الأفضل. (قَوْمٌ مُنْكَرُونَ) قال النسفي : أي : أنتم قوم منكرون فعرفوني من أنتم (فَراغَ إِلى أَهْلِهِ) أي : انسل خفية في سرعة ، قال النسفي : فذهب إليهم (أي : إلى أهله) في خفية من ضيوفه ، ومن أدب المضيف أن يخفي أمره ، وأن يبادر بالقرى من غير أن يشعر به الضيف حذرا من أن يكفه ... (فَجاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ) أي : من خيار ماله (فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ) ليأكلوا فلم يأكلوا (قالَ أَلا تَأْكُلُونَ) أنكر عليهم ترك الأكل ، أو حثهم عليه ، قال ابن كثير : تلطف في العبارة وعرض حسن ، وهذه الآية انتظمت آداب الضيافة بل جاء به بسرعة وخفاء ، وأتى بأفضل ما وجد من ماله ، وهو عجل فتي سمين مشوي فقربه إليهم لم يضعه وقال اقتربوا ، بل وضعه بين أيديهم ولم يأمرهم أمرا يشق على مسامعهم بصيغة الجزم بل قال (أَلا تَأْكُلُونَ؟) على سبيل العرض والتلطف ، كما يقول القائل : اليوم إن رأيت أن تتفضل وتحسن وتتصدق فافعل. فلما رأى أيديهم لا تصل إلى الطعام خاف قال تعالى : (فَأَوْجَسَ) أي : أضمر (مِنْهُمْ خِيفَةً) قال