ثانيا : تفرد القرآن بطريقة بيانية غير طرق العرب. وفى هذا المعنى يقول الأصبهانى فى تفسيره : «بيان كون النظم معجزا يتوقف على بيان نظم الكلام ، ثم بيان أن هذا النظم مخالف لنظم ما عداه ، فمراتب تأليف الكلام خمس : الأولى : ضم الحروف المبسوطة بعضها إلى بعض لتحصل الكلمات الثلاث : الاسم ، والفعل ، والحرف. والثانية : تأليف هذه الكلمات بعضها إلى بعض لتحصل الجمل المفيدة ، ويقال له : منثور الكلام. والثالثة : ضم بعض ذلك إلى بعض ضمّا له مباد ومقاطع ، ومداخل ومخارج ، ويقال له : المنظوم. والرابعة : أن يعتبر فى أواخر الكلام مع ذلك تسجيع ، ويقال له : المسجع. والخامسة : أن يجعل له مع ذلك وزن ، ويقال له : الشعر.
والمنظوم إما محاورة ، ويقال له : الخطابة. وإما مكاتبة ، ويقال له : الرسالة. فأنواع الكلام لا تخرج عن هذه الأقسام ، ولكل من ذلك نظم مخصوص ، والقرآن جامع لمحاسن الجميع على نظم غير نظم شىء منها. فلا يصح أن يقال للقرآن : رسالة أو خطابة ، أو شعر ، أو سجع ، كما لا يصح أن يقال : هو كلام. والبليغ إذا قرع سمعه فصل بينه وبين ما عداه من الكلام».
وقال الرمانى : بعد أن ساق أنواع الكلام : «فأتى القرآن بطريقة مفردة ، خارجة عن العادة ، لها منزلة فى الحسن تفوق كل طريقة ، وتفوق الموزون الذى هو أحسن الكلام».
ثالثا : جمع القرآن لمراتب البيان فى أسلوب واحد. قال أبو سليمان الخطابى : «إن أجناس الكلام مختلفة ، ومراتبها فى درجات البيان متفاوتة ، فمنها البليغ الرصين الجزل ، ومنها الفصيح الغريب السهل ، ومنها الجائز الطلق الرسل ، فحازت بلاغات القرآن من كل قسم من هذه الأقسام حصة ، وأخذت من كل نوع شعبة ، فانتظم لها بانتظام هذه الأوصاف نمط من الكلام يجمع بين صفتى الفخامة ، والعذوبة ، وهما على الانفراد فى نعوتهما كالمتضادتين ، لأن العذوبة نتاج السهولة ، والجزالة والمتانة يعالجان