نوعا من الزعورة ، فكان اجتماع النوعين فى نظمه مع نبو كل واحد منهما عن الآخر فضيلة خص بها القرآن ، ليكون آية بينة لنبيه صلىاللهعليهوسلم».
رابعا : روعته فى القلوب : وقد فطن إلى هذا الوجه بعض المؤمنين بل وكثير من الجاحدين المنكرين أيضا. فيقول الخطابى : «وقد قلت فى إعجاز القرآن وجها ذهب عنه الناس ، وهو صنيعه فى القلوب وتأثيره فى النفوس ، فإنك لا تسمع كلاما غير القرآن منظوما ولا منثورا إذا قرع السمع خلص له إلى القلب من اللذة والحلاوة فى حال ، ومن الروعة والمهابة فى حال آخر ما يخلص منه إليه. قال تعالى : (لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ) (١) ، وقال : (اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ) (٢)». ويقول الزركشى : «فمنها الروعة التى فى قلوب السامعين وأسماعهم ، سواء منهم المقر والجاحد ، ومنها أنه لم يزل غضّا طريّا فى أسماع السامعين ، وعلى ألسنة القارئين». ويكتشف القاضى عياض أن هذه الروعة وتلك الهيبة كانت سببا فى إسلام بعض الكفار من العرب فيقول : «ومنها الروعة التى تلحق قلوب سامعيه عند سماعهم ، والهيبة التى تعتريهم عند تلاوته ، وقد أسلم جماعة عند سماع آياته منهم جبير بن مطعم ، فإنه سمع النبى صلىاللهعليهوسلم يقرأ فى المغرب بالطور. قال : فلما بلغ قوله تعالى : (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ ...) (٣) إلى قوله : (... الْمُصَيْطِرُونَ) كاد قلبى أن يطير ، وذلك أول ما وقر الإسلام فى قلبى».
خامسا : ما وراء التكرار فى القرآن : وهذا الوجه يمكن أن نسميه تجاوزا (بالتركيب الكيميائى للقرآن). وذلك أن أسلوب القرآن من هذه الوجهة مركب تركيبا دقيقا بالغ الدقة ، بحيث تقرب منه التركيبات
__________________
(١) سورة الحشر : ٢١.
(٢) سورة الزمر : ٢٣.
(٣) سورة الطور : ٣٥.