.................................................................................................
______________________________________________________
فإن قلت : إنّ وضوح سببية الغار لتغريم المغرور ينافي ما أفاده في ردّ كلام الجواهر بقوله : «وأما قوة السبب على المباشر فليست بنفسها دليلا على رجوع المغرور ..» إذ لو كانت قوة السبب مضمّنة للسبب دون المباشر لم تتّجه المناقشة في كلام الجواهر. وإن لم تكن موجبة لضمان السبب لم تنفع في ضمان الغارّ لما اغترمه المشتري.
قلت : لا منافاة ظاهرا بين الكلامين ، إذ المقصود بقوة السبب ـ التي منعها أوّلا ـ هو التسبيب على الموضوع أي الفعل المترتب عليه الضمان ، حيث لا ضمان على المباشر كالمكره ، وإنّما تكون الغرامة على السبب باعتبار قوّته الموجبة لإسناد التلف إليه. ومن المعلوم انتفاء التسبيب بهذا المعنى في مورد الغرور ، لكونه متصرّفا بإرادته.
كما أنّ المقصود بالتسبيب الذي جعله دليلا على ضمان الغارّ هو التسبيب على الضمان ، نظير استقرار الضمان على من يقدّم طعام الغير إلى ضيفه ، فإنّ الأكل فعل اختياري للآكل موضوع للضمان ، ولكن الموقع له في الضمان هو المقدّم. فإذا غرّم المالك الآكل رجع هو على المقدّم. فكذا يرجع المشتري ـ في ما اغترمه على المبيع فضولا ـ على البائع الغارّ.
وضمان السبب في هذا القسم منوط بدليل تعبدي ، ولذا تصدّى المصنف قدسسره لإثباته بالتمسك بمثل ما ورد في ضمان شاهد الزور.
هذا بيان الفارق بين التسبيبين على ما أفاده شيخ مشايخنا المحقق النائيني قدسسره (١) ، وإن شئت مزيد بيان له فراجع التعليقة (*).
__________________
(*) وتوضيحه على ما في تقرير بحثه الشريف : أنّ ما يطلق عليه السبب على أقسام ، فتارة يكون الضمان على السبب ابتداء ، ولا يضمن المباشر أصلا. واخرى يضمن المباشر ابتداء ، ولكن قرار الضمان على السبب ، فيرجع المباشر إليه. وثالثة يضمن المباشر دون السبب.
والقسم الأوّل هو قاعدة الضمان بالتسبيب على الفعل ، بأن كان السبب مقدمة أخيرة من علّة وجود المسبب ، بحيث لم يتخلّل بين السبب والمسبب فعل فاعل مختار أصلا ، كما إذا حفر بئرا ، فعثر العابر ووقع فيه فمات ، حيث لم يتخلل بين التلف والحفر فعل إرادي.
__________________
(١) المكاسب والبيع ، ج ٢ ، ص ٢٧٦.