يكون عدم استحيائه سبحانه من التمثيل بالبعوضة رداً على اعتراضهم.
وأمّا الثاني ، فقد ورد ضرب المثل بالذباب والعنكبوت في مكة المكرمة ، لأنّ الأوّل ورد في سورة الحج وهي سورة مكية ، والآخر ورد في سورة العنكبوت وهي أيضاً كذلك. وهذه الآية نزلت في المدينة ، فكيف تكون الآية النازلة في مهجر النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم جواباً على اعتراض المشركين في موطنه؟
وعلى كلّ تقدير فالآية بصدد بيان أنّ الملاك في صحة التمثيل ليس ثقل ما مثّل به أو كبره ، فلا التمثيل بالبعوضة عيب ولا التمثيل بالإبل والفيل كمال ، وإنّما الكمال أن يكون المثل مبيناً لحقيقة وواقعة غفل عنها المخاطب من دون فرق بين كون الممثل صغيراً أو كبيراً.
وبعبارة أُخرى : إذا كان الغرض التأثير فالبلاغة تقضي بأن تضرب الأمثال لما يراد تحقيره بحقيرها ولما يراد التنفير بما اعتادت النفوس النفور منها ، فالملاك هو كون المثل مفيداً لما يريد المتكلم تحقيقه ، من غير فرق بين حقير الأشياء وكبيرها ، وهو سبحانه يشير إلى ذلك المعنى بقوله : (إِنَّ الله لا يَسْتَحْيي أن يضربَ مثلاً ما بَعوضة) (بل) فوقها في الصغر كالجراثيم التي لا ترى إلّا بالمجهر ، كما تقول : فلان لا يبالي أن يبخل بنصف درهم فما فوقه أي مما فوقه في القلة.
ولو أُريد ما فوقه في الكثرة يقول مكانه «فضلاً عن الدرهم والدرهمين».
فما في كلام بعض المستشرقين من أنّ الصحيح أن يقول «فما دونه» غير تام. للفرق بين قوله : «فما فوقه» وقوله «فضلاً» والأوّل بقرينة المقام بمعنى فما فوقه في الصغر والحقارة لا بمعنى «فضلاً».
وربما تفسر الآية بأنّه لا يستحيي أن يضرب مثلاً ما بعوضة فما فوقها في